ما تصديت لمشكلة، وما وقعت فى أزمة، ولا طُلب رأيى فى معضلة، وراجعت حكم وأقوال الحبيب العظيم الإمام على بن أبى طالب إلا ووجدت حكمة أو أكثر من حكمة تحل هذه المعضلة وتفك ألغازها.
جملة حكمه تصلح منهجاً لمسيرة الإنسان العاقل فى الحياة، تضبط مسيرته وحركته، تجعله يكسب دنياه وأخراه، ويكسب الناس والمواقف، يختار الأصدقاء، ويتعامل بحرفية مع الخصوم.
الإمام على بن أبى طالب جمع من خصال الخير ما لم يجتمع لغيره إلا القليل، ولن أتحدث فى هذا المقال لا عن شجاعته أو علمه أو سبقه أو فضله أو غيرها من خصاله النبيلة، ولكن عن حكمته وبعض أقواله فى الدين والحياة.
يفرق بين الكريم واللئيم بقوله: «الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو حينها»، ويحذر من المال الحرام بقوله: «تبنى مسجداً من خيانة، كمطعمة الزهاد من كد فرجها، لها الويل، لا تزنى ولا تتصدق»، ويعرّف الزهد: «ليس الزهد ألا تملك شيئاً، بل الزهد ألا يملكك شىء».
ويرسم الطريق للناس: «كن كالنحلة تأكل طيباً وإذا وقعت على عود لم تكسره»، ويشرح كيفية تغيير العادات والعقائد الفاسدة: «إن الناس قد بنوا أكواخاً من عقائدهم فلا تهدموها عليهم، لكن ابنوا لهم قصوراً فإن دخلوها هدموا أكواخهم بأيديهم».
وفى التعامل مع الناس: «أكرم ضيفك وإن كان حقيراً وقم من مجلسك لأبيك ومعلمك وإن كنت أميراً»، ويحذر من المعاداة: «رأس الجهل معاداة الناس»، ويوصى عند الشدائد: «إذا نزل بك مكروه فانظر فإن كان لك حيلة فلا تعجز وإن لم يكن فيه حيلة فلا تجزع».
وعن فلسفة الدنيا والآخرة: «من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر فى العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل، ومن لم يحلم ندم، ومن صبر غنم، ومن خاف رحم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم».
ويحذر من البغى: «من سل سيف البغى قُتل به»، ويعرّف العاقل والأحمق: «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه»، ويوازن بين الدارين: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»، وهى من أعظم حكمه الجامعة.
ويحذر من التعامل مع الأغبياء: «نقل الصخور من موضعها أهون من تفهيم من لا يفهم»، ويرغبنا فى الحكمة: «الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق»، ومن اتبع هذه النصيحة سلمت حياته.
ويصنّف الفقراء: «رب فقير أعز من أسد»، ويبين سبب الجوع فى المجتمع: «ما جاع فقير إلا بما منع به غنى»، وعن قلة الوفاء بين الناس وكأنه يقرأ الأزمان: «ذهب الوفاء فالناس بين مخاتل وموارب».
ومن أعظم حكمه الخالدة والمحزنة أيضاً والتى نراها دوماً: «إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه».
ويصف أسوأ الناس بقوله: «أسوأ الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء أثره»، أى عمله، وهذه الحكمة من أعمق وأدق حكمه.
وعن الطريقة المثلى لمخالطة الناس يقول: «خالطوا الناس مخالطة إن متم عليها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم».
وعن مأساة الجهال: «لو أن كل جاهل سكت ما حدث فى الإسلام فتنة»، ويلخص حال أكثرنا: «اختر أن تكون مغلوباً وأنت منصف، ولا تختر أن تكون غالباً وأنت ظالم».
ويحذر من خداع الإنسان لنفسه: «لا تدع جهل الناس بك يغلب علمك بنفسك»، ويصدع برائعته الخالدة: «لو كان الدين بالرأى لكان مسح باطن القدم أولى من الظاهر»، ويلخص طريقة التعامل مع الصديق: «ابذل لصديقك كل المودة ولا تبذل له كل الطمأنينة، وأعطه من نفسك كل المواساة ولا تفض إليه بكل الأسرار».
ويحذر من البخيل والأحمق: «إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه».
ويعرّف العاقل: «العاقل لا يتكلم إلا لحاجته أو لحجته، ولا يشتغل إلا بصلاح آخرته»، ويقول: «إذا تم العقل توحى الكلام».
سلام على أمير الحكماء أمير المؤمنين الخليفة الرابع الإمام على بن أبى طالب.