عندما تنفجر الفرحة وتتناثر وتتطاير شظاياها وتغطى كل ما يحيط بك من مشاهد وأشخاص ومبانٍ وطبيعة حتى تصل للسماء، فتبدو للناظرين كما لو كانت زخّات مطر رقيقة ناعمة تغازل الجباه وخصلات الشعر والملابس برقة ودلال وتدفع داخل الجميع الإحساس بالسعادة الجماعية.
وعندما تجد فى محيطك الخاص وداخل قلبك وذاكرتك وعقلك وأمام عينيك احتفالاً عالمياً مبهجاً وتتبدل ملامحك وتتسع ابتسامتك وتشعر بالنشاط ومظاهر الشباب تدب فى جسدك، فاعلم أنك قد تلقيت جرعة عظيمة من الفرح والفخر والزهو والانتعاش من الحبيب حتى لو كان بعيداً عنك بجسده، لأن كل هذه المشاعر لا تعرف المسافات ولا التحذيرات والممنوعات وقوانينها ولا الأجواء الملبدة بالغيوم التى تمنع الاتصالات وتسطو عليها وتوقف الطائرات بلا عمل فى المطارات وتُبقى السيارات فى أماكنها مغطاةً بالثلوج وربما الأتربة وتحيطها الزوابع والرياح.
إنها أرقى أنواع الفرح وأقواها، وعادة ما تكون لها جذور مختبئة فى باطن الأرض تمنحنا الكثير والمشبع وباعث كل هرمونات السعادة فى أجسادنا.
فمن بين كل تلك المجموعة الواسعة من المشاعر التى تشكل وجداننا وتؤثر فى حياتنا منذ لحظاتنا الأولى فى الحياة وحتى النهاية والتى يضعها داخلنا الخالق العظيم بنسب تلائم كلاً منا وتشكل شخصيته وطبيعته ولا يتشابه فيها اثنان فى العالم حتى التوائم الذين عاشوا فى رحم واحد وفى وقت واحد ووصلوا للعالم لا يفصل بينهم إلا لحظات وجود الفرحة التى نتطلع لها جميعاً لأنها العاطفة الأساسية التى تسهل حياتنا فى جميع الجوانب والمجالات.
وقديماً كانت عجائز العائلات يقدمن النصائح للفتيات الصغيرات فتقول إحداهن: «خدى اللى يفرّح قلبك»، أى تزوجى مَن يبعث الفرحة فى حياتك، فكيف نترجم هذه الكلمات علمياً خاصة وقد أثبتت السنوات بل والعقود صحتها، ففى مراجع علم النفس والاجتماع تعرف الفرحة بأنها إحساس مرتبط بوجود سلسلة من التنشيطات والتأثيرات الفسيولوجية، ومن بينها زيادة معدل ضربات القلب والجهاز التنفسى وإفراز هرمون (الأندورفين) والذى يولّد داخلنا مظاهر سلوكية نموذجية، مثل الابتسامة، كونها الفرح الصادق والعاطفة الوحيدة التى تقوم بتفعيل بعض عضلات العين وهى جزء من المفاهيم الأساسية التى تعرف بالسعادة أو الإنجاز أو الرفاهية.
ولا عجب فى ذلك، لأن علماء النفس يؤكدون أن الفرحة هى العاطفة التكييفية بعمق، حيث تمثل الاستكشاف والاتصال مع الآخرين ومع البيئة وكذلك تحفز الإبداع والمرونة الذهنية، ولذلك فإنهم ينصحون دائماً بتكرار السلوكيات التى تولّد لدينا هذا الإحساس.
كما يؤكدون أن للسعادة والفرح ثلاثة هرمونات تغرقنا فيها، وهى: (السيروتونين) وهو المسئول عن الثقة بالنفس كما يجعل الإنسان أقل حساسية عندما يتعرض للرفض ويجعله يشعر بالقيمة الذاتية وهرمون (الدوبامين) وهو المركّب المسئول عن الشعور بالمكافأة ويُفرز بعد أى تصرف أو عمل ناجح يقوم به الإنسان ويشعر بعده بالرضا عما فعله، وهرمون (الأندورفين) وهو المسئول عن القضاء على الألم، لأن سعادة الإنسان جزء منها يعتمد ويرتبط بعدم الشعور بالألم ويعتبر الأطباء الأندورفين الذى يفرزه الإنسان المورفين الطبيعى، أى أقوى مسكن للآلام، لذلك فمن أجمل التعبيرات والكلمات والأوصاف التى تعبر عن تبادل الفرحة والسعادة مع الأحبة أن أقول: «وأنت هرمونات سعادتى».