«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»، قال قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده، فواللَّه ما ضر امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن اللَّه حكم عدل، لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه.
وقال: كانت امرأة فرعون تسأل مَن غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون، فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهى امرأته، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها فى الجنة، فمضت على قولها، وانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
فقولها: «رب ابنِ لى عندك بيتاً فى الجنة»، قال العلماء: اختارت الجار قبل الدار.
وقد ورد شىء من ذلك فى حديث مرفوع: «ونجنى من فرعون وعمله»، أى: خلصنى منه، فإنى أبرأ إليك من عمله، ونجنى من القوم الظالمين، وهذه المرأة هى آسية بنت مزاحم، رضى اللَّه عنها. وقال أبوجعفر الرازى: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت: تعس من كفر باللَّه. فقالت لها ابنة فرعون: ولك رب غير أبى؟ قالت: ربى ورب أبيك ورب كل شىء اللَّه.
فلطمتها بنت فرعون وضربتها، وأخبرت أباها، فأرسل إليها فرعون، فقال: تعبدين رباً غيرى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب كل شىء اللَّه، وإياه أعبد، فعذبها فرعون، وأوتد لها أوتاداً، فشد رجليها ويديها، وأرسل عليها الحيات، وكانت كذلك، فأتى عليها يوماً، فقال لها: ما أنت منتهية؟ فقالت له: ربى وربك ورب كل شىء اللَّه. فقال لها: إنى ذابح ابنك فى فيك إن لم تفعلى، فقالت له: اقض ما أنت قاضٍ.
فذبح ابنها فى فيها، وإن روح ابنها بشَّرها، فقال لها: أبشرى يا أمه، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا، فصبرت، ثم أتى عليها فرعون يوماً آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر فى فيها، فبشَّرها روحه أيضاً، وقال لها. قال: وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر، ثم الأصغر، فآمنت امرأة فرعون، وقبض اللَّه روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوبها، ومنزلتها، وكرامتها فى الجنة لامرأة فرعون حتى رأت، فازدادت إيماناً ويقيناً، وتصديقاً، فاطلع فرعون على إيمانها، فقال للملأ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنها تعبد غيرى، فقالوا له: اقتلها.
فأوتد لها أوتاداً فشد يديها ورجليها، فدعت «آسية» ربها فقالت «ربِّ ابنِ لى عندكَ بيتاً فى الجنةِ»، فوافق ذلك أن حضرها فرعون فضحكت حين رأت بيتها فى الجنة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، إنا نعذبها وهى تضحك، فقبض اللَّه روحها، رضى اللَّه عنها.