فى الأساطير يعتبر الشَّعر فى الإنسان مَكمن قوته، ومحل كبريائه، لذلك تعاملت الحضارات كلها مع الشعر إمّا بالقص أو الحلاقة، وإمّا بإرسال الشعر وتركه طويلاً دون قص ودون حلاقة. المرأة العربية غطت شعرها قبل الإسلام، وبَعده. والرجُل العربى هو الآخر ارتدى عُمامة، تطورت إلى أن وصلت إلى العقال والغطرة. وفى الديانة البوذية القديمة، حلق الراهب شَعر رأسه بالموسِى.. علامة على خضوعه للرّب.
بينما المرأة فى الدول الأوروبية تغيرت سلوكياتها، فلمّا اخترعوا الفساتين، كانت المرأة لو غطت صدرها.. كشفت ساقيها.. ولو غطت ساقيها كشفت صدرها.
وفى الديانة المجوسية، كان لا يجوز للكاهن دخول مَعبد النار التى هى معابد الإله ميثرا، إلا بشَعر طويل.. لم يعمل فيه مقصاً منذ رسامته كاهناً. ولدى الفراعنة المصريين، كان معنى دخول الكاهن مِحراب الهيكل بشَعره مكشوفاً أو طويلاً أنه يعتدى على حُرمة بيت الرّب.
مرّت الفكرة بأزمنة وأفكار وأعراف اجتماعية حتى ارتبط غطاء الرأس بالهيبة، والمكانة الاجتماعية والاحترام والوقار.. حتى أصبح غطاء الرأس أحياناً كثيرة إشارة إلى التدين.
فى الريف المصرى، كانت الطاقية الفلاحى مقدسة.. والفلاح المصرى كان محافظاً على كرامته.. لا يخرج من بيته مكشوف الرأس بلا طاقية!
فى الذاكرة الشعبية، إن كشف المرأة غطاء رأسها فى مقامات الأولياء دلالة على التضرّع الشديد، وعلامة أيضاً على الخضوع الكامل فى مدافن الصالحين طلباً للشفاعة.
لذلك تقرأ فى روايات زمان أن أمّ فلان كشفت رأسها فى مقام «أمّ العواجز»، وهى تلقِى جواباً مكتوباً فى المقام به طلباتها، وأمانيها، وبه أيضاً قائمة تعهداتها بالنذور لو تحققت الأحلام. فى العهد القديم (قصص التوراة) ارتدى الكهنة والصالحون والمتنبئون محارم على الرأس.. بحيث إنه لم يسبق لأحد أن شاهد رءوسهم بلا غطاء طوال حياتهم.
وفى قصة شمشون النبى عند اليهود دلالة ورمز. تقول التوراه إن الله كان قد وضع أسرار قوة وقدرات شمشون فى شَعره.. لذلك لم يقصّه حتى عَرفت دليلة السّرَّ، وأهدته لأعدائه.
كان «شمشون» من القوة بحيث لم يقدر عليه أحد، وحتى إن أحداً لم يعرف: مِن أين أتى بتلك المقدرة على سَحق جيوش بأكملها.
ولمّا أذاعت دليلة السِّرَّ، عَرف الأعداء السّلاح الذى به يقضون على «شمشون».. وينهكون قواه.
وكان السِّرُّ فى المقص.
ولمّا حلقوا شَعر شمشون خارت قوته، فسجنوه بلا حول ولا قوة.
وإلى يومنا هذا، يحرص السيخى المؤمن، على شعر طويل بلا حلاقة من ميلاده، حتى مماته. لكنه فى الوقت نفسه يغطى شعر رأسه الطويل.. فلا يخرج إلى الشارع مكشوفاً إعلاناً لخضوعه لله وتسليماً بإرادته.
اخترع السيخ عمامة، يلفونها مع الشعر الطويل، بطريقة مجدولة، فتبدو العمامة ولا يظهر الشعر.. وبهذا يحافظون على طول الشعر.. وتغطيته!
فكرة غطاء الرأس ثم النقاب فى الثقافة العربية لها المنطق نفسه، وهى من الروافد الحضارية القديمة نفسها، لكن اختلفت كل قبيلة عربية فى شكل غطاء الرأس ولونه.
ففى اليمن القديمة، غطت المرأة شَعرها، ونصف وجهها، مرّة الأيمن، ومرّة الأيسر. وفى شمال الجزيرة العربية، غطت المرأة نصف رأسها، مرّة الخلفى، ومرّة الأمامى.. حسب القبيلة، وحسب المستوى الاجتماعى.. وحسب النّسب.
وفى قبائل الطوارق فى شمال أفريقيا، يغطى الرّجال والنساء، شعورهم ووجوههم على حد سواء وللآن. وكلما زاد المقام.. زاد اللثام.
لكن لدى قبائل الهنود الحُمر القديمة، فى جبال الإنديز.. وأغلب مناطق أمريكا الشمالية، لم يكن مسموحاً لا لامرأة ولا رجُل أن يغطى شعره، فظلت شعورهم طويلة مفرودة على الظهر والكتف فى إشارة إلى القدرة والجبروت.
غطاء الرأس لدى المحارب الهندى الأحمر علامة على الجُبن، ووضع طوق به ريش على الرأس كان علامة على الإقدام.. والرغبة فى الحرب.
كثيرٌ من العادات القديمة للحضارات القديمة ارتبط على مر التاريخ بمعتقدات دينية.. لكن يظل أغلبها مواريث راكبة على ظهر التراث لم تستطع الشعوب التخلص منها، أو نفضها عن يقينها الجمعى.
فى الصراع بين الحديث والقديم، أعادت الشعوب الحديثة تبرير عادات القدماء.. فألبست الأفكار القديمة.. حُللاً جديدة لها دلالات دينية أحياناً!