طلب الرئيس ناصر لقاءه والتقاه فى منزله، كان الملك الحسن الثانى يجله ويسمع وعظه فى الدروس الحسنية، كان مريدوه بالآلاف، تأثر به الرئيس السيسى فى شبابه، ورغم ذلك ظل منكسراً لربه متواضعاً لخلقه، جاء من أقصى الصعيد يسعى إلى الأزهر قبلة العلم، فى يوم الجمعة التالى توجه مع زملائه لصلاة الجمعة، تغيب الخطيب يومها، ألح عليه زملاؤه ليخطب، فهم يعرفون فصاحته وتدينه، صعد المنبر وألقى خطبة أبكت المصلين، بعد الصلاة أقبل الناس يثنون عليه، وبعضهم راح يقبِّل رأسه ويده، أصابه العجب بنفسه، عندما حلَّ الليل ذهب ليشترى طعاماً لزملائه، وبينما هو فى الطريق إذا به يتلقى صفعة قوية على وجهه فسقط مغشياً عليه، ولما تأخر عن زملائه توجسوا خيفة فذهبوا يبحثون عنه، فوجدوه ملقى على الأرض فى حارة مظلمة، حملوه إلى البيت وهو لا يدرى بنفسه، استغرق فى نوم عميق حتى قبيل الفجر، جاءه والده فى المنام وأمسك بناصيته معاتباً: «من لم يتواضع للعلم ستناله صفعات كثيرة»، تعلم منذ ذلك اليوم الانكسار لله والتواضع لخلقه، ومن يومها وهو لا يسير إلا مطأطئ الرأس رغم شجاعته وشهامته، كان يحكى هذه القصة لتلاميذه ويقول حكايتها: ذلكم خادمكم إسماعيل صادق العدوى، هذه واحدة من عشرات القصص الإيمانية والتربوية التى حكاها وعاشها مع تلاميذه ومريديه.
كان الشيخ إسماعيل العدوى «شاعراً وفقيهاً وواعظاً بارعاً معروفاً بشجاعته وصدعه بالحق ومشهوراً بفراسته وزهده وتصوفه، وكان مع شدته فى الحق خفيف الظل»، كان محباً للتواشيح عامة والنقشبندى خاصة، وكانت له أذن موسيقية تستقطب أجمل ألحان القرآن والتواشيح، كان يهوى المصارعة الرومانية فى شبابه وحصل على كأس التفوق فيها سنة 1964 وكانوا يلقبونه بالشيخ المصارع.
الشيخ العدوى هو فخر محافظة أسيوط والصعيد، فهو أعظم خطيب للجامع الأزهر، حيث كان المنبر يهتز تحته من قوة بلاغته ووعظه مع صدقه وتجرده.
ينتسب الشيخ إسماعيل العدوى إلى قبيلة «بنى عدى» بمنفلوط وينتهى نسبه إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب، بعد حصوله على الثانوية الأزهرية التحق بكلية «الشريعة والقانون» بالأزهر وتخرَّج فيها سنة 1964، وحصل على إجازة التدريس والعالمية، وعمل إماماً وخطيباً بمسجد سيدى أحمد الدردير، فى مطلع خدمته ارتبط بالوعظ فى الجيش المصرى من خلال وزارة الأوقاف، وطاف الكثير من معسكرات الجيش، وكان له تأثير كبير فى رفع الروح المعنوية للوحدات العسكرية، حتى حصل على نوط الشرف العسكرى عام 1973، أعير للإمارات عدة سنوات وتولى فيها منصب مدير الدعوة لمدة 11 عاماً متواصلة من 1975 إلى 1986، عاد إلى مصر وأصبح خطيباً للجامع الأزهر، أكبر جامع وأول جامعة فى مصر، كان الناس يأتون إليه من كل مكان لتستريح قلوبهم ونفوسهم، فقد كان المنبر العظيم يرتج تحت وقع صدعه بالحق، وكانت قلوب المصلين ترتج أيضاً، وكأنه يحرك الضمائر والأفئدة نحو الحق والصواب، كان له استهلال شهير لخطبه لا ينساها مريدوه: «اللهم صلِّ على سيدنا محمد الفاتح لما أُغلق والخاتم لما سبق، الناصر الحق بالحق، والهادى إلى صراطك المستقيم»، ترأس الطريقة الخلوتية وأصلح شأنها وجعلها مميزة عن باقى الطرق الصوفية ووجهها إلى العلم والذكر الصحيح ومنع عنها الدخلاء والبدع وجعلها مثوى للعلم والعلماء وأكابر الناس وعقلائهم، كان عضواً بمجمع الفقه الإسلامى بجدة، وعضواً فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ونائباً لرئيس رابطة العالم الإسلامى لخطباء الجمعة فى المغرب، كانت له علاقة جيدة بملك المغرب الراحل الحسن الثانى، وكان يدعوه للدروس الحسنية فيحضر الملك شخصياً.
شخصيات كثيرة شهيرة من كل الأطياف تأثرت بالشيخ العدوى، ومن أهم هذه الشخصيات الرئيس السيسى، وقد ذكر ذلك شخصياً فى أحد اللقاءات التليفزيونية، وأثنى على الشيخ العدوى كثيراً، وقال: «إنه كان يتمتع بقدر كبير من العقل والرشد»، كان الشيخ العدوى يهتم بذوى الاحتياجات الخاصة ويصنع لهم الطعام فى مضيفته ويكرمهم ويذكِّر الناس بعدم إيذائهم وحسن معاملتهم.
والبعض يعزو اهتمام الرئيس السيسى بذوى الاحتياجات الخاصة، وقد غيَّر اسمهم إلى ذوى القدرات الخاصة، إلى تأثره بالشيخ العدوى الصوفى الزاهد، ويستدلون بكلمات الرئيس لهم بكلمة «أولادنا»، وأنهم «أهل الله»، وقال لأحدهم وهو يستأذن فى سماع صوته: «أنا هسمع أحلى حاجة منك»، «تعالوا جنبى هنا عاوزكم تزودونا بركة»، ويصفهم دائماً بـ«أهل الله»، وهو أول رئيس مصرى يهتم بهذه الطائفة، وتحدث عنهم فى خطبه 185 مرة ووصفهم بـ«أولادنا» 60 مرة، وكان «العدوى» يعطى فى الأسبوع الواحد قرابة عشرة دروس متخصصة فى عدة مساجد، فضلاً عن دروس لمريديه فى ساحة منزله الذى تبرع به ليكون معهداً أزهرياً، وقد توفى الشيخ العدوى فى العشر الأواخر من رمضان بعد ليلة من ليالى الوتر، وكانت وفاته عام 1998.
سلام على الدعاة وأئمة الخير وصانعيه.