حدوتة أسطوانات الغاز لن تنتهى فى مصر أو من مصر بأزماتها كلها إلا بعد إحلال الغاز الطبيعى محلها.. ومن بين خمسة محاور تعتمد عليها الدولة فى رؤيتها الاستراتيجية لملف الطاقة يأتى «التوسع فى توصيل الغاز الطبيعى للمنازل»، وهو ما يتم بالفعل على أوسع نطاق ممكن بمعدل يصل إلى مليون ومائتى ألف منزل سنوياً أو مائة ألف شهرياً! ولذلك أمامنا فى مصر سنوات طويلة لإنهاء هذه المهمة وبالتالى رفع المعاناة عن مستخدمى أسطوانات البوتاجاز.. إلى حين ذلك علينا دراسة المشكلة والسعى لحلول لها.
ربما لا يعرف الكثيرون أن قانوناً خاصاً ينظم عمل مستودعات البوتاجاز، مثل أشياء كثيرة فى بلدنا لا تُترك دون تنظيم، لذلك نظم القانون أيضاً هذه المستودعات المنتشرة بطول البلاد وعرضها وفقاً للقرار الوزارى رقم 79 لسنة 1973 الذى أصدره فى فبراير ١٩٧٣ وقتها وزير الإسكان لتنظيم وإنشاء المستودعات ومعها كل محال الغازات البترولية، حيث حدّد القرار مساحة المستودع بما لا يقل عن مائتى متر ويكون البناء على نصفها والارتفاع اللازم لسقف المستودعات بأربعة أمتار، بالإضافة إلى إقامة سياج خارجى على بعد مترين من المستودع وحظر ترك سيارات نقل الأسطوانات أو تخزين الأسطوانات خارج المكان.. وأن يبعد المستودع بمسافة عشرين متراً عن أى المنشآت العامة والمغلقة، مثل المدارس ودور السينما والمصالح الحكومية والمستشفيات، واشترط كذلك عدم وجود المستودعات بالقرب من أعمال ومنشآت تعتمد على مصادر اللهب فى أعمالها، مثل المطاعم والمقاهى والورش الصناعية وللأسف دون أن يحدد أى مسافة أمان!!
فى مصر، وطبقاً للإحصائيات المنسوبة لبعض قيادات وزارة البترول، توجد سبعة آلاف مستودع تتعامل مع عدد الأسطوانات المستهلكة سنوياً وهو عدد كبير جداً يصل إلى ٣٥٠ مليون أسطوانة سنوياً موزعة على استهلاك المنازل أو الاستهلاك التجارى على المطاعم أو الورش أو المستشفيات والفنادق! وبحسبة بسيطة نجد أن المستودع الواحد يتعامل مع ما يصل إلى ثمانية وأربعين ألفاً من الأسطوانات سنوياً، أى ما يعادل مائة وثلاثين أسطوانة يومياً! ولما كانت المستودعات لا تتعامل بشكل يومى مع الأهالى ووجود نصفها مستودعات عامة لها نظام خاص ونصفها الآخر مستودعات خاصة تعتمد على ما تقرره الوزارات المعنية، لذا لا تكون متاحة أيضاً يومياً! ولهذه الأسباب نجد التكدس الموجود باستمرار عند وأمام المستودعات بما يسمح بتسريب جزء من هذه الحصص إلى مافيا تستغل الشروط السابقة وأخطرها عدد المستودعات القليل، مقارنة بعدد السكان.
إذن، علينا تخيل أن عدد المستودعات فى مصر توقف عند سبعة آلاف مستودع، فلنا أن نتخيل بواقعية شكل الزحام الذى سيكون عندئذ! لذلك تستغل هذه المافيا عدد المستودعات ومعها مواعيد وصول الأسطوانات كى تهيمن على نسبة كبيرة منها وبالتالى التحكم فى سعرها، إذ يحل هؤلاء الوسطاء (المافيا) الأزمات الطارئة والاحتياج العاجل لهذه السلعة المهمة ويقومون بتوصيلها للبيوت بالسعر الذى يقررونه! والبديل: انتظار سيارات الأسطوانات وفى زحامها المعروف!
ولذلك يجب أن تفكر فى التعامل مع الأمر بطريقة مختلفة تتسم بالجرأة، فمثلاً: ما المانع أن يتم «فك» هذا الزحام وهذه المخاطر على آلاف الشباب الذين يتولون توزيع الأسطوانات على المنازل بعد تدريب لن يستغرق إلا يوماً أو يومين بعد استيفاء الشاب المتقدم كافة الشروط التى تحددها لجنة من الوزارات المعنية يقررها مجلس الوزراء؟ كالشهادة والسن وموعد التخرج وشهادة طبية وسيارة صغيرة مجهزة للحركة الآمنة بالحمولة التى يمكن أن تصل إلى مائة أسطوانة أسبوعياً.. فإذا تسلم العمل فى كل مستودع من السبعة آلاف مستودع الحالية خمسة أفراد سنكون قد وفرنا فرصة عمل لخمسة وثلاثين ألف شاب! وحاربنا الجشع، إذ يقوم هؤلاء الشباب بخدمة توصيل الأسطوانة إلى البيوت من خلال رقم هاتف معلن يتم وضعه بمكان واضح على أبواب أو جدران المستودعات ليتمكن الأهالى بعد فترة من تسجيله والتعامل معه.. على أن يتم التوصيل مقابل مبلغ يتم تحديده مسبقاً وليكن بين سبعة أو عشرة جنيهات ستكون طبعاً فوق السعر الرسمى، لكنها أقل بكثير من السعر الذى يفرضه الآخرون!
سنكون بذلك قد قضينا على الزحام ومشاكله.. وأنهينا المشاهد المزعجة غير المتحضرة عند التجمع أمام المستودعات، كما سنكون أمام حل لقضية التوتر والقلق الدائم فى التعامل مع هذا الملف المزعج للأسرة المصرية، وفتحنا باب الرزق لعشرات الألوف من الأسر، وبالتالى خفضنا برقم مماثل فرص الانحراف والأزمات الاجتماعية!