أحسن د.مرسى حينما أعاد الاعتبار للفريق سعد الشاذلى، رئيس أركان حرب الجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر المجيدة، بعد أن أُهيل التراب على تاريخه العسكرى الفذ وإنجازاته الاستراتيجية الرائعة.. حيث تمتع دائماً بالشجاعة والرجولة.. بالإضافة إلى تضلعه من العلم العسكرى الذى صقلته الخبرة العسكرية التى امتدت أكثر من 40 عاماًً كاملة بدأها بإنشاء سلاح المظلات المصرى وأنهاها بأعظم انتصار حققته العسكرية المصرية الحديثة وهو حرب أكتوبر.. وكان طوال هذه الرحلة الطويلة نموذجاً عسكرياً فذاً.
لقد ظُلم الشاذلى مرتين؛ إحداهما حينما أقصاه السادات من الجيش وعينه سفيراً لمصر فى بريطانيا.. والثانية حينما سجنه مبارك فى تصرف دنىء لم يراع سنه ولا مكانته أو تاريخه العسكرى أو أنه كان يوماً قائداً له.. فمبارك لم يكن يعرف لغة العفو.
وقد ظَلم الشاذلى نفسه حينما ارتمى فى حضن القذافى وذهب إلى ليبيا بعد إقصاء السادات له.. فنار السادات أرحم من جنة القذافى المجنون الذى أساء لكل من لجأ إليه أو احتمى بحماه.
وكما أن العلماء أو الدعاة العظام قد يصيبهم الضرر الكبير إذا دخلوا فى السياسة.. فكذلك العسكريون العظام قد يصيبهم الضرر الفادح إذا دخلوا أيضاً مضمار السياسة.. خاصة إذا كانت من خارج الوطن أو من عند القذافى المعروف بحمقه.. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
لقد بدأت علاقتى الوثيقة بالفريق سعد الشاذلى وحبى الكبير له بعد أن قرأت كل مذكراته وكتبه وكتب الذين كتبوا عنه.. خاصة المؤرخ العسكرى جمال حماد.
لقد كان لمذكرات الفريق الشاذلى أثر غير مباشر على كتاباتى الدعوية.. فقد وجدت أن الفريق الشاذلى شعر أثناء عمله كرئيس لأركان الجيش بفجوة وانفصال بين فكر القادة فى القاهرة والضباط والجنود فى ميادين القتال.. فكتب دليلاً بسيطاً للجندى يدله على كل ما يحتاجه نظرياً وعملياً فى الميدان والتدريب والحرب وسماه «دليل الجندى».. ثم كتب بعد ذلك «دليل الضباط الأصاغر» للضابط من ملازم إلى رائد.. ثم كتب بعد ذلك «دليل الضباط الأكابر» من مقدم إلى عميد.. وقد شرح فى كل دليل ما تحتاجه هذه الرتب من معلومات وحلول للمشاكل التى يواجهونها فى التدريب والتكتيك والعمليات والأسلحة.
وقد وجدت أن المشكلة التى عانى منها الفريق الشاذلى فى الانفصال بين فكر القادة المركزيين والميدانيين يوجد مثلها فى دعوة الجماعة الإسلامية.. حيث وجدت أن الأفراد والدعاة وقادتهم فى القرى والمدن يقعون فى أخطاء دعوية وتربوية وإدارية خطيرة تنفر الناس عنهم أحياناً.. أو توقعهم فى مشكلات مع الدولة أو مع الناس دون أدنى ضرورة.
ووجدت أننى فى المعتقل لا أستطيع تصويب هذه الأخطاء فلمعت فى ذهنى فكرة الأدلة التى أبدعها الفريق الشاذلى فكتبت «دليل الدعوة فى القرى».. و«دليل الدعوة فى المدارس الثانوية».. و«دليل الدعوة فى الجامعات».. وحازت كل هذه الأدلة قبولاً كبيراً من الإخوة وطورت الدعوة تطوراً كبيراً.
فالدعوة ليست تسلطاً على الناس أو قهراً لهم على اختيارات فقهية معينة.. ولكنها تحبيب الناس فى الدين والرفق والرحمة بهم.
إن الحركة الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الأدلة اليوم.. خاصة بعد انتشار فكر التكفير والعداوة والتفسيق وهضم حقوق أولى الفضل والسبق والاغترار بالتمكين والاستعلاء الكاذب من البعض على البسطاء.. والاغترار بالجمع.
رحم الله الفريق الشاذلى الذى أعطى حياته كلها لله ولوطنه وللدفاع عن الحق وقدم نموذجاً عسكرياً عفاً شريفاً يحتذى ومات وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئاً.. إنه نموذج فريد فى عصر البيزنس الذى لحق اليوم بكل شىء حتى بالعسكريين وهم من يفترض فيهم الزهد الكامل فى الدنيا.