أخطر ما لفت الانتباه فى كلمة الرئيس السيسى عقب جنازة شهداء العملية الإرهابية، أنه تحدّث بنبرة غضب شديدة تعبّر عما سماه مؤامرة خارجية تستهدف مصر، وهى المرة الأولى التى ترد فيها مثل هذه العبارة بتلك المباشرة وهذا التحديد الممزوج بالتصميم على المواجهة على لسان الرئيس وفى هذا الموقف الاستثنائى، وبالضرورة هى لا بد أن تفتح الطريق أمام التساؤلات عن حجم المؤامرة وأطرافها؛ من هم بالاسم خاصة أن الإقليم يمور بأحداث تكاد تقلب ثوابته رأساً على عقب.
الحادث الإرهابى الذى وقع فى جنوب الشيخ زويد هو الأكبر على الإطلاق منذ بداية الموجة الإرهابية التى ضربت سيناء بالخصوص وتبعها أماكن أخرى تسرب إليها النشاط الإرهابى، هو الأكبر من حيث عدد الضحايا والمصابين والأكبر بدلالاته المفتوحة على مصراعيها، ويأتى بعده فى المرتبة الثانية مباشرة عملية الهجوم على نقطة الحدود بمنطقة الفرافرة الذى وقع منذ شهور، فى هاتين العمليتين تحديداً بالتحليل الأمنى برز العنصر الإرهابى الخارجى المتعلق بالكوادر التى تنفذ العمل الإرهابى، صمت الصوت الرسمى المصرى فى حادث الفرافرة عن التطرق إلى هذه النقطة واكتفى بالحديث فقط عن مخاطر الوضع الليبى وتهديده البالغ على دول الإقليم، ثم اعتمد النظام المصرى طريقة المواجهة السياسية فى الاشتباك مع الملف الليبى، وفتح معظم المسارات الممكنة للتعاون مع النظام الليبى الرسمى، فضلاً عن تخطيط مشترك مع شقيق إقليمى آخر، الجزائر، بهدف المساعدة على انتشال الوضع هناك من مستنقع سيطرة الجماعات المسلحة إلى آفاق الدولة القادرة، وهو تحرك ومنهج عمل غاية فى الرشد ونضوج فى درجة وعى الدولة بمهدداتها الأمنية الآنية.
مع العبور إلى أقصى الشرق للعملية الأخطر وفى المكان الأشد إيلاماً بتعقيداته العديدة، كانت قوات الجيش والأمن المشاركة منذ 30 يونيو 2013م تقف منذ شهر واحد مضى على نقطة نجاح حقيقى، فى مجابهة إرهاب مسلح بدرجة عالية متمركز بمنطقة شرق العريش التى تضم مدينتى الشيخ زويد ورفح بالقرى التابعة لهما وحتى خط الحدود الشرقى مع قطاع غزة وإسرائيل، تسرب نقطة النجاح التى تحققت من أيدى القائمين على إدارة العمليات محل تقييم وتحليل الآن من قبَل الأجهزة المعنية بذلك، لكن التفسير الأوّلى يذهب بنا إلى تقييم قدرات «أنصار بيت المقدس»، التنظيم الذى يدير العمل الإرهابى هناك والذى انضمت له كافة التنظيمات الأصغر، وكان هذا الانضمام بهدف توحيد الجهد والقيادة فى مواجهة القوات الأمنية، التقييم الحالى للقدرات الإرهابية المسلحة لا يعطى أى إشارة إلى قدرة هذا التنظيم أو المنضوين تحت عباءته فى تنفيذ العملية الإرهابية الأخيرة، وهذا التقييم وتلك القياسات التى تقوم بها أجهزة أمنية عديدة تتم بصورة تفصيلية ومعقدة لكن نتائجها تكون أقرب ما يكون للدقة المطلوبة، ودرجة الدقة هى التى تحدد طبيعة وقدرة المواجهة وتبتعد بالضرورة عن أى تضليل معلوماتى أو تهويل أو تهوين، فهى خارج تلك المنزلقات تماماً، النقطة التى كان التنظيم يقف عندها قبيل ارتكابه للعملية الإرهابية لا تمكنه من القيام بمثل تلك العملية المركبة، ولذلك خرج الحديث عن التورط الخارجى، وهو ما يترجم على أرض العمليات بحتمية وصول خلايا جديدة تم ضخها فى شرايين التنظيم تعوض انحساره الظاهر، وتلك الخلايا على قدر احترافى مستجد على الساحة السيناوية فى اللحظة الراهنة وتفتتح بارتكاب العملية فصلاً جديداً فى المواجهة، أبعاد هذا الفصل وتفصيلاته قد لا تكون ظاهرة للعيان بعد، لكن الجبهات الإرهابية القادرة على توفير وضخ مثل هذه الخلايا الجديدة الجاهزة لا تخرج عن جبهتين، الشرقية من ناحية «تنظيم داعش» أو الغربية التى تضم «أنصار الشريعة» الابن الشرعى لتنظيم القاعدة الأم بما وراءهما من أطراف.