بالصور| أصيبت طفلته بـ"الصلب المشقوق" فأقام مركز رعاية لبقية المرضى
شقة هادئة، وغرفة استقبال واسعة، يرسم جنباتها صالون فاخر، يدل على ميسرة حال أهل البيت، تتوسطها طاولة زجاجية متوسطة الحجم، تزينها زهرية مبهجة الألوان، على عكس حال الأسرة التي تعيش بها.
يجلس الأب على كرسيٍ في ركن الغرفة، احتل الهم ملامح وجهه، ترى في عينيه لمعة الدموع المسجونة، يتنهد الطيار الهادي علي، الرجل الثلاثيني، تنهيدة تعبر عما يجول بصدره، قبل أن يتحدث عن معاناة رضيعته "وعد"، مع مرضها "الصلب المشقوق".
يبدأ الهادي حديثه "الحقيقة أنا ماكنش عندي أي خلفية خالص عن المرض، لما والدتها حست بأعراض الحمل، تابعت مع دكتور نساء وتوليد، مرة كل شهر تقريبًا، زي كل الناس، وللأسف الدكتور لم يكتشف الحالة، وكان هيفرق كتير لو كان هو اكتشف الحالة قبل الولادة، واتولدت وعد".
يزوغ ببصره ليتابع حركات ابنته الشقية، ويكمل حديثه "فوجئت بإن في كيس في ظهرها كبير، ولما أمها ولدتها طبيعي، الكيس اتفتح، وطبعًا حالتها كانت سيئة جدًا، وعن طريق الدكتور أحمد، بدأت أعرف إيه هي الحالة، واتضحلي إن الموضوع كبير جدًا، وأول مشكلة واجهتها.. إن مافيش أطباء عاوزين يتعاملوا مع الحالة، وده لإن نتائج تحسن الحالة ضعيفة جدًا، فبيحاولوا يهربوا منها".
الحالة التي تعاني منها الرضيعة "وعد"، يجب أن يتعامل معها أكثر من تخصص، ولذلك لما يسببه المرض من أعراضٍ جانبية، لذا ذهب بها والدها إلى طبيب أطفال، لينصحه بدوره أن يذهب ليتابع مع جراح مخ وأعصاب، لينظف "الكيس" الناتئ في ظهرها، ويعالج دماغها من حالة الاستسقاء، بتركيب صمام لتسريب السائل.
يسكت قليلا ليرتشف بعض قطرات الماء، لترطب عليه ما أشعلته رضيعته من نار في صدره، ويتابع سرد معاناته "في بداية الحالة، وجهوني للمستشفيات الجامعية والتأمين الصحي، وفوجئت إن إجراءات التأمين الصحي، لا تتناسب أبدًا مع الحالة، في حين أن التدخل كان مفروض فوري، لأن روتين التأمين طويل جدًا، ولجأت للعلاج الخاص، وعملت لبنتي عمليات على حسابي، وللحقيقة إن كل اللي استفدت بيه من التأمين الصحي، هو إشاعات الرنين المغناطيسي بس، مش أكتر من كدا".
تهرب الدموع من سجنها في عينيه، يسكت قليلًا حتى يهدأ، ويتابع "قعدت 10 أيام تايه، مش عارف أعمل إيه، لما بدأت أفوق وأدرك الموقف كويس، وأمسك طرف خيط للعلاج، قلت وعد مني يا وعد أني ماسبش حد يواجه اللي أنا واجهته، ومن خلال تواصلي مع المرضى أكتشفت حاجة مهمة جدًا، إن الأطفال دول محتاجين من 10 – 12 تخصص، عشان يقدروا يتلافوا المشاكل اللي بيسببها المرض".
الصلب المشقوق، المرض الذي يسبب أعراض جانبية منها "عدم القدرة على المشي، عدم القدرة على التحكم في الإخراج، مشاكل في المسالك البولية، ومشاكل في الجهاز الهضمي، والمصابين من البنات يصابون بهبوط في الرحم، ولا يوجد مكان محدد للعلاج، فالصلب المشقوق يرغم الأبوين على اصطحاب الطفل إلى أكثر من طبيب، لتجنب تفاقم الحالة، وليس للعلاج".
تتوقف الأم عن مداعبة طفلتها، وتخرج عن صمتها، لتروي معاناة أخرى، لكن مع وعد ذاتها وليس الأطباء، تقول السيدة العشرينية، وهي تنظر في أسى إلى رضيعتها "ممكن ماحدش يلاحظ إن وعد عندها مشاكل في البول بحكم سنها، ولكن اكتشفنا إنها عندها المثانة العصبية، وعندها ارتجاع على الكلى، ولازم أركبلها قسطرة كل 3 ساعات، يعني 8 مرات في اليوم، وماقدرش أنام أكثر من 3 ساعات، عشان أقوم أركبلها القسطرة".
قاطعها الهادي ليعلن عن نيته في إقامة مركز لعلاج مرض الصلب المشقوق "أنا ببيع دلوقتي حتة أرض، من ملكي الخاص، وعائدها هيتخصص لمؤسسة "وعد" الخيرية، لرعاية مرضى الصلب المشقوق، والمؤسسة حاليًا تحت الإنشاء، والسيد محافظ أسيوط، وعدني بتوفير قطعة الأرض اللازمة".
نتج عن تفاعل الأسرة على "فيس بوك"، اكتشاف أن الأزمة كبيرة، وفي الدول العربية أكبر، من حيث عدد الإصابات، ومدى توافر الرعاية الطبية، حيث إن الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي لديها مجرد عيادة متخصصة في متابعة هذا المرض؛ هي المملكة العربية السعودية، وأعلنت المملكة العربية السعودية أن تكلفة المريض بالصلب المشقوق، إلى أن يبلغ سن المدرسة يصل إلى 2 مليون ريال سعودي.
أحد ضحايا هذا المرض، الطفلة نعمة الله من الجزائر، التي تواصلت أسرتها مع أسرة "وعد"، ولكنها فشلت في النجاة، بسبب ضعف التقدم الطبي، ولم تقصر أمها في رعايتها، سواء عن طريق الجمعيات الخيرية في الجزائر، أو السفر إلى تونس، حيث الخدمات الطبية الأكثر تطورًا، ولكنها أصيبت بإسهال شديد، ومجموعة ميكروبات، لم تستطع الفتاة مقاومتها، فتوفت نعمة الله في شهر أبريل الماضي، يوم عيد ميلادها.
الطفلة نعمة الله
ويناشد والدا "وعد" وزير التربية والتعليم، ووزير التعليم العالي، ووزير الصحة، إرسال نشرات تثقيفية عن المرض، وتوعية البنات اللاتي يدرسن في المرحلة الثانوية والجامعية "مشروعات الأمهات"، بهذا المرض حتى يستطعن تفاديه مع ذريتهن.
ويشرح الدكتور أحمد درويش طبيب الأطفال، والمنسق لحالة الطفلة "وعد"، مرض الصلب المشقوق، ويوضح أنه عيب خلقي، يتواجد في الأسابيع الأولى من الحمل، أثناء تصنيع النخاع الشوكي، ويبدأ ظهور التشوه في الأسبوع الثالث أو الرابع من الحمل، وهو عبارة عن عدم التحام الجزء الخلفي من الفقرات، ما يؤدي إلى خروج جزء من النخاع الشوكي أو جزء من أغشيته خارج الجسم، وينقسم المرض إلى نوعين، النوع الأول "كيس مائي" لا تصحبه أعصاب مغذية، وهذا النوع لا يترك أثرا في حركة الأرجل لدى المصاب، والنوع الثاني: يخرج جزء من النخاع الشوكي خارج الجسم، وهو ما يترك أثرًا على قدرة التحكم في الجسم، ويمكن تفادي هذا المرض، بأخذ جرعات من "حمض الفوليك" للحامل، أو من تخطط للحمل، فنقص هذا الحمض يسبب التشوه الخلقي.