العملية الإرهابية التى استهدفت قوات الجيش بالشيخ زويد وضعت المشهد فى سيناء أمام لحظة توقف واجبة، نوع من التوقف التعبوى، باللغة العسكرية، الذى تحتاجه اللحظة بكل تأكيد بعد ما يقرب من عام ونصف من العمل الأمنى والعسكرى على هذا المسرح الأصعب، دون شك يلزمنا كشف حساب سريع عن تلك المدة التى ليست بالقصيرة وعن مهمة مليئة بالتداخلات الخطرة، البعض منها موروث قديم فُرض على القوات هناك التعامل معه والآخر منها استُحدث فى تلك البقعة ومازال يتجدد ويتفاقم بصورة تزيده تعقيداً!!
أول ما يستوجب التقييم فى تلك الوقفة هو فحص أهداف الجماعات المسلحة بسيناء وتحديد مكانها الآن، فمراهنة الجماعات كانت تلعب على هدفين كلاهما أخطر من الآخر، الأول قبل الثلاثين من يونيو مباشرة والفترة الأولى من بعد سقوط الإخوان، حيث شهدت تلك المرحلة زخماً كثيفاً عبّرت به الجماعات عما وصلت إليه من جاهزية طوال عام الإخوان، ومستهدفة حينها اختطاف الجزء الشمالى الشرقى من سيناء لإعلانه إمارة إسلامية، وشكّل هذا الهدف أهم أسلحة الإخوان فى خطتهم لمقاومة ثورة 30 يونيو، استناداً لذروة صعود تلك الجماعات واعتماداً على «حركة حماس» فى قدرتها على إدارة المعركة ضد قوات الجيش من الجانب الآخر. فى الساعات الأولى للثورة انتقل الفريق أحمد وصفى ببعض من وحدات الجيش الثانى ليصل إلى آخر نقطة فى الحدود الشرقية ليشكّل أول متغير للمعادلة، وليجهض هذا الهدف الخطير عبر ضربات مركّزة لتلك الجماعات ومن خلال أول اشتباك فعال مع شريان الحياة لهم وهو أنفاق رفح الممتدة إلى قطاع غزة.
بفشل الهدف الأول أمام عمل عسكرى ناجح استطاع أن يملأ فراغات الأمن سريعاً، انتقلت الجماعات بتغييرات تكتيكية إلى الهدف الثانى، فهى بدايةً وحّدت كل الجماعات المسلحة تحت راية تنظيم «أنصار بيت المقدس»، ثم بدأت عملية إطالة الفترة الزمنية لإنهاك القوات هناك بأكبر قدر ممكن، هذا التكتيك معتمد بشكل أساسى لدى معظم أجيال القاعدة الجديدة، وهى بارعة فى تنفيذه أمام القوات النظامية إلى حد كبير. بعد فترة كمون خادعة تحت وقع ضربات قوات المواجهة القاسية، وهو ما تم فى سيناء، ينتقل التكتيكى إلى الاستراتيجية الجديدة، متمثلة فى سحب أرجل تلك القوات بعيداً عن الطرق المعبّدة إلى بحر الرمال المتحركة، عبر تنفيذ عمليات متفرقة ومتواصلة زمنياً لا تسمح للمعركة بالوصول إلى مرحلة الحسم وإعلان النتيجة النهائية، وتحتفظ بالمشهد عند درجة الحرارة التى تحرم أى طرف من الإمساك به.
لو أن فى طرف المواجهة الرسمى قوات تابعة لجهاز أمن وزارة الداخلية لأمكن احتمال تلك الاستراتيجية، وهو ما واجهته مصر فى موجة إرهاب الثمانينات والتسعينات وخرجت منه بنجاح حتى بعد طول أمد المواجهة، لكن الأصعب اليوم، والذى يحتاج إلى تحرك سريع، أن الطرف الأساسى اليوم قوات تابعة للجيش، وهى من معطيات المشهد التى فُرضت على الجيش قسراً باعتبارات الدفاع عن الأمن القومى فى تلك المنطقة وعدم جاهزية قوات الشرطة لخوض مواجهة لها أبعاد إقليمية غير خافية، وهنا نجد أنفسنا أمام مسرح عمليات يحتاج إلى تغيير سريع وجديد فى معادلاته على الأرض لضمان خروج آمن لقواتنا المسلحة دون الإنهاك المخطط وبعيداً عن نزيف الخسائر المتوقع. هذا التغيير فى المعادلة يستوجب خطوات واسعة للأمام، أولاها إنشاء المنطقة الخالية على الشريط الحدودى للقضاء النهائى على سلاح الأنفاق، يعقبها مباشرة ضخ تنموى سريع فى كل المجالات يجذب عدداً كبيراً من السكان لا ينتظر القضاء على الإرهاب حتى يبدأ، بل هو السلاح الأمضى الآن والرقم الصعب الذى سيقلب المعادلة لصالح سيناء ولصالح الوطن.