أخذ الله بنى إسرائيل بالسنين، اختباراً لهم بتحمّل قسوة العيش من ماء وغذاء لهم، وكلأ لحيواناتهم، وهكذا كانت معجزات «يوسف» بشرحه سنين فيضان ونقصان مياه النيل، فكان القرآن أول من سجل فى التاريخ ارتباط مصر بالنيل هى وجيرانها من الشعوب القريبة فى فلسطين والقدس والشام والجزيرة العربية وحتى النجاشى حاكم إثيوبيا، فكلها أحداث دارت فى داخل مصر وخارجها فى حدودها الإقليمية التى ثبتت عبر عشرة آلاف سنة من التاريخ المعروف للبشر، وهو أمر عجيب قلما يحدث مع نهر أو بلد مثل النيل ومصر، وهكذا نظم «يوسف» إدارة مياه النيل فى عام فيه يغاث الناس ويشربون ويقومون بعمل السدود وحفظ المياه فى سنوات القحط المائى بفكرة سد أسوان نفسها، ثم السد العالى فى عهد ناصر، ثم حفظ القمح أو الحنطة التى عرفتها مصر خبزاً قبل كثير من الأمم، فكان وما زال أهم بندين فى حياة المصرى قديماً وحديثاً ماء النيل وخبز القمح!
وكأن آلاف السنين لم تمر على مصر والمصريين، وكأن «يوسف وموسى» كانا بالأمس يعيشان بين جنبات قرى ومدن مصر الفرعونية، البلد الوحيد الذى وصفه القرآن بأنه مدينة، «وجاء رجل من أقصى المدينة»، وقرى وبحر انقسم قسمين كل قسم كالطود العظيم، أى جبل ثلج تجمّد فجأة لكى يمر موسى وقومه ويذوب الجبل الجليدى فور وصول «موسى» وأتباعه سيناء، فيغرق فرعون فى ماء ذاب من ثلج مجمّد كما يتجمّد القطبان الشمالى والجنوبى، وقد بدأ ذوبانهما بفعل احترار الأرض وتغير المناخ الذى يتغير كل عشرة آلاف سنة مع درجة ميل مدار دوران الكرة الأرضية حول الشمس، وهكذا سرد القرآن وسجل المعجزات التسع التى وقعت على أرض مصر فى زمن «موسى».
لقد وصفت الآيات الكريمة اللحظات التى كلم الله بها نبيه موسى، والتى تبين فيها أن الله تعالى قادر على كل شىء، والذى يقول للشىء كن فيكون، فقد أمر الله تعالى موسى أن يلقى عصاه فإذا بها تصبح أفعى، وهذا الأمر الخارق للعادة دل على أن الذى يكلم «موسى» هو القادر على إحداث كل شىء، ثم ألقاها «موسى» فأصبحت حية.
فلما رآها «موسى» هرب منها ولم يلتفت، ولما رجع أمره الله تعالى، أن يأخذها ولا يخاف منها، فأعادها الله تعالى عصا كما كانت من قبل، وقد كانت هذه العصا التى تنقلب إلى حية سبباً فى إسلام سحرة فرعون، لأنهم عندما رأوا ما تقوم به هذه الحيّة من ابتلاع لعشرات الحبال والعصى التى جاءوا بها ليغالبوا «موسى»، عرفوا أنها ليست من صنع البشر، وإنما هى من صُنع خالق البشر سبحانه وتعالى، فخروا ساجدين لرب العالمين.
تغيُّر لون يديه دون مرض كان من معجزات سيدنا موسى، حيث إنه كان يخرج يده من جيبه، أو قيل: من تحت إبطه، فتصبح بيضاء لها شعاع كالشمس، خاصة أن سيدنا موسى، كان أسمر اللون، وهذا البياض فى يده لم يكن بسبب مرض كبرص أو نحوه، بل كانت علامة على صدق نبوته.
انشقاق البحر، حيث أمر الله تعالى نبيه موسى بأن يخرج هو وبنو إسرائيل من أرض مصر هروباً من بطش فرعون وقومه، فخرج نبى الله موسى ببنى إسرائيل ليلاً، وإذ بفرعون يتبعهم بجنوده، إلى أن لحق بهم، وكان البحر من أمامهم، فظنوا أن فرعون قد أمسك بهم، إلا أن الله أيّد موسى عليه السلام، بمعجزة انشقاق البحر، إذ أمر الله تعالى، موسى أن يضرب البحر بعصاه، فإذا بالبحر ينفلق، عندما ضربه بعصاه، وجعل كل قسم من قسميه كأنه الجبل العظيم من الماء، وهى المنطقة الممتدة من ساحل مصر إلى ساحل سيناء، فشاء الله تعالى، أن يسير عليها موسى، ومن آمن به وهى مستقيمة وغير منشقة، وقد تبعه من آمن به وأيده ونصره من قومه.
وقد تبع فرعون وجنوده موسى وبنى إسرائيل ودخلوا فى الطريق المنشق فى البحر فإذا بالله تعالى، يأذن بانطباق البحر بعد تمكن موسى ومن معه من المرور بسلام.