حفل القرآن الكريم بالعديد من الأمثلة يصعب حصرها فى هذا السياق «وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ».
واستخدم الأنبياء جميعاً المثل فى الدعوة إلى الله وهداية الخلائق، وذلك لتقريب الأمر إلى ذهن السامع بشىء ملموس أو قصة افتراضية بحيث يسهل فهمها واستخلاص العبرة منها. وأكثر رسولين استخدما الأمثال فى الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة هما محمد والمسيح «عليهما السلام». ولنبدأ أولاً بنبى الله الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى أدرك أن ضرب الأمثال له تأثير عظيم فى الإقناع.
وقد تميزت الأمثال النبوية بالقوة والبلاغة والإقناع والإيجاز والتنوع وروعة الوضوح. وقد نوّع الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى موضوع المثل وغرضه، وفى أسلوب عرضه وطريقته، فكان يستخدم الإشارة أحياناً، فأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، فى حديث «أنا وكافل اليتيم كهاتين»، أو حينما أشار إلى أن بعثته مقاربة لقيام الساعة، أو استعان بالرسم التوضيحى، وقد يكون المثل رداً على سؤال، أو بياناً عملياً على حيوان أو طائر، مثلما مر الرسول مع أصحابه على جدى ميت أسك «أى مقطوع الأذنين» ليضرب به مثلاً عظيماً فى هوان الدنيا على الله، كما هان هذا الجدى على الصحابة.. وهكذا. ومن الأمثال النبوية الرائعة التى ضربها الرسول قوله: «مثلى ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها، ويتعجبون، ويقولون: لولا موضع اللبنة»، رواه البخارى. وشبَّه فيه الأنبياء وتعاقب إرسالهم للناس بالبيت الذى أسست قواعده ورفع بنيانه واعتنى به صاحبه وزينه حتى بلغ الغاية فى الحسن ولم يبق لاكتماله إلا موضع حجر فى زاوية والناس يشيدون بعمارته وبنيانه ولكنهم يتحسرون قائلين: آه لو كمل هذا الحجر واكتمل هذا الموضع «وأنا اللبنة»، هكذا يعبر الرسول عن نفسه، أنه ختم الأنبياء وأتمهم كما ختمت اللبنة البناء «فلم يبق بعده لبانٍ عملاً»، كما يقول ابن هبيرة. وقد استفاض المسيح ابن مريم فى الأمثال ليستطيع الجميع استيعاب رسالته الروحية المتممة لرسالة موسى، عليهما السلام، خاصة أن معظم الشعب الإسرائيلى وقتها لم يكن متعلماً، كما أن أكثر تعاليمه كانت تعارض ما يقوله الكهنة والكتبة الذين عانوا من الجمود والتحجر الذى عطل روح الشريعة.
ومن أهم أمثلته «مثل الزراع والزرع»، وهو مثل معروف فى الإنجيل وشرحه المسيح، عليه السلام، بقوله «الزرع: هو كلام الله، والذين على الطريق: هم الذين يسمعون، ثم يأتى إبليس وينزع الكلمة من قلوبهم، والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح، وهؤلاء ليس لهم أصل، فيؤمنون إلى حين، وفى وقت التجربة يرتدون، والساقطون بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولا يثمرون، أما البذور التى سقطت فى الأرض الطيبة فهم الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها فى قلب مؤمن صالح، حتى تثمر بالصبر».
ومن أبرز الأمثلة التى ضربها عيسى ابن مريم «مثل الزوان»، وهو عشب ضار شديد المرارة ينبت بين أعواد القمح، وإذا طحن معه أصبح ساماً، والزوان فى المثل هم أبناء الشر وصناعه وأتباع إبليس.
سلام على الأنبياء والمرسلين فى كل وقت وحين، وسلام على المسيح ومحمد، عليهما السلام.