فى نوفمبر من هذا العام يكون قد مر ثمانون عاماً على إنشاء نقابة المهن الموسيقية، التى عملت على تأسيسها السيدة أم كلثوم عام ١٩٤٢، صاحبة الفضل الأكبر فى جمع الموسيقيين وتوحيد صفوفهم لإنشاء نقابة خاصة بهم ترعى شئونهم وتحل مشاكلهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تولت منصب النقيب على مدى عشر سنوات حتى قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، بعدها تولى المنصب الموسيقار محمد عبدالوهاب، ثم توقفت النقابة لمدة عشرين عاماً من ١٩٥٨ حتى ١٩٧٨، وتوالى عدد من الموسيقيين على هذه النقابة، التى ظلت تشهد تنافساً كبيراً بين أقطاب الموسيقيين فى مصر.
كان الهدف الأساسى من إنشاء هذه النقابة، كغيرها من النقابات، الحفاظ على حقوق أعضائها وحمايتهم ورعاية شئونهم، وتحسين الظروف المعيشية والمهنية للأعضاء. تقوم النقابة بتحصيل رسوم عضوية ورسوم من الحفلات العامة والأفراح والملاهى الليلية، تصب كلها فى صندوق النقابة من أجل تقديم خدمات لأعضائها من العاملين بالحقل الموسيقى.
فى السنوات الأخيرة، ظهر تيار جديد من الموسيقيين والمطربين ينطلقون من المناطق الشعبية التى طالها من التدهور ما طال الكثير من الأشياء فى بلدنا، ولم نجد تياراً موازياً يغطى على هذه الموجة التى لم تقتصر على الأحياء الشعبية والعشوائية فقط، لكنها امتدت إلى الفنادق الكبرى والقصور والساحل الشمالى والمنتجعات المختلفة، ثم امتد أثرها إلى بقية الدول العربية التى تمتد إليها كل الموجات المصرية.
لم يكن هؤلاء مثل المطربين الشعبيين المصريين، الذين لا يزالون يحتلون حباً واحتراماً فى قلوبنا رغم رحيلهم، الذين أمتعوا الشعوب العربية كلها بفن شعبى راقٍ لا يقل فى متعته عن نجوم الغناء الكبار، وكلنا نتذكر محمد عبدالمطلب ومحمد رشدى والعزبى وعبدالغنى السيد وكارم محمود ومحمد طه. ولم يكونوا مثل جيل تلاهم مثل أحمد عدوية وحلمى عبدالباقى وحسن الأسمر، بل هم يعكسون زمن العشوائيات والضجيج والأصوات المتحشرجة.
لكنهم انتشروا بالفعل وأصبح لهم جمهور كبير، وتتعالى أصوات أغانيهم على الشواطئ ومن السيارات والمحلات والمطاعم، أصبح وجودهم أمراً واقعاً، ثم اتخذ نقيب الموسيقيين الفنان هانى شاكر عدة إجراءات فى محاولة لتحجيم هذا التيار، بعد خلافات بين بعضهم وبعض، أصدر بعدها قائمة منع فيها عدداً منهم من الغناء!
صدر قرار من النقابة مؤخراً بوقف عدد من الأسماء وسحب تراخيصهم، وهم ليسوا أعضاء بالنقابة، بعضهم لتغيير أسمائهم التى رآها النقيب أسماء رديئة، مثل شاكوش وبيكا وغيرهما، وبعضها لأنهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وعلى الرغم من وجاهة هدف النقابة بما تقوم به، لكنه فى الواقع يبعد النقابة عن دورها الأساسى، وهو حماية ورعاية مصالح أعضائها، لقد أصبح هؤلاء أمراً واقعاً لا مفر منه، وما تفعله نقابة الموسيقيين الآن هو اختيار أسهل الطرق، وهو غلق الباب فى وجوههم.
لقد كان من الممكن أن تكون خطوات النقابة لها تأثير قوى يحمى المجتمع من هذا التيار، لكنها تأخرت كثيراً حتى سبقتها وسائل التواصل الاجتماعى، ومنصات العرض على الإنترنت، وأصبحوا يحققون بالفعل ومع الأسف أرقاماً قياسية، فهل الحل هو المنع والحرب الكلامية، أم الاحتواء والتقويم ووضعهم تحت بصر النقابة؟!
لقد تحول الموضوع إلى أمر هزلى، يقلل من كل الإجراءات الكبيرة التى تتخذها النقابة، ويمنحهم قوة وتعاطفاً، وعلى النقابة أن تجد حلاً يوقف هذه المهزلة ويعيد إليها قوتها وهيبتها.