4 ملايين فدان هى مساحة الأراضى الصحراوية التى أضيفت إلى الرقعة الزراعية المصرية، منذ نحو 37 عاماً، تتعرض حالياً لما هو أصعب من حالة «الفقر المائى»، ومنها تلك الأراضى التى أضيفت إلى الخريطة الخضراء فى عهد الرئيس السيسى صانع «الجمهورية الجديدة».
بدأ مشروع «مستقبل مصر» باحتفالات شعبية ورسمية لها ما يبررها، حيث صورت الكاميرات، وأذاعت البرام
ج ونشرت الميديا، صوراً مفرحة للخضار الذى تنشره أجهزة الرش المحورى فى دوائر ترسمها قطرات المياه المسحوبة من أعماق الأرض، بواسطة طلمبات حديثة مكلفة مالياً، لتسقط على الأرض الهامدة فتهتز وتربو - كما ورد فى القرآن الكريم.
لكن اهتزاز حبيبات الأرض بات يتجه نحو الثبات، عائداً نحو حالة الهمدان، واتساع الخضار بات ينحصر منذ نحو عامين، وذلك بفعل هبوط مستوى سطح مياه الآبار فى منطقة غرب طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى، ما تسبب فى ارتفاع ملوحة المياه وزيادة عسرها، ما يعنى تراجع إنتاجية المحصول من وحدة المساحة، أو الامتناع عن زراعة الأصناف النباتية التى جادت سابقاً فى المنطقة المعروفة باسم «الوادى الفارغ»، التى كانت مصدر حسد لمن يملك فيها فداناً.
كانت ملوحة مياه الآبار الجوفية فى المنطقة تتراوح بين 200 و400 جزء فى المليون، أى بين 200 و400 جرام ملح فى متر مكعب ماء، ما يعنى صلاحيتها للشرب والزراعة وتربية الماشية والدواجن - والأخيرة أكثر المخلوقات حساسية للملوحة، وليس هناك أنسب من الظهير الصحراوى للتوسع فى مشاريع إنتاجها وتربيتها وتفريخها، من باب الأمن الحيوى لها.
والآن، ومع التوسع الأفقى الذى تتطلبه دولة تعانى فجوة غذائية بين الإنتاج الذاتى والاستهلاك تقدر بنحو 160 مليار جنيه سنوياً، لا مجال سوى توفير مصدر مياه عذبة لهذه المنطقة التى أصبحت جزءاً مهماً من سلة غذاء المصريين، وجزءاً ضخماً من استثماراتهم فى مجال إنتاج الغذاء، وهو المجال الذى تدعم التوسع فيه منظمات العالم الكبيرة المعنية بالغذاء ومحاربة الجوع والفقر، مثل الفاو، كونه نشاطاً إنسانياً.
ومع أزمة سد النهضة لمصر، وأثره السلبى على الاقتصاد الزراعى المصرى، فلا مجال للإدارة المصرية سوى فرض الأمر الواقع بشق ترعة مصرية، يسهم فيها مالياً كل فدان صحراوى بقيمة 1000 جنيه، ما يعنى توفير 4 مليارات جنيه لهذه الترعة التى تفيد فنياً فى أمرين: تعويض الخزان الجوفى الصحراوى، وإمداد هذه الأراضى مرة أخرى بقطرة المياه العذبة، قبل أن تلفظ أنفاسها الخضراء.
الرئيس السيسى صاحب مشروع «الدلتا الجديدة»، لن تسعده أخبار التوسعات الأفقية، ما لم تكن محمية بدواعى الاستدامة الرأسية، لتفلح بجدارة خطط التوطين فى مناطق الزراعات الجديدة، حيث لا حياة تكتمل إلا بوجود عنصرى الإنسان والمياه، التى جعل الله منها كل شىء حى.
مشروع الرئيس بشق ترعة لهذه المنطقة لحصد مياه الأمطار، وإعادة تدوير مياه صرف محافظات الشمال الغربى لمصر، يتطلب نفرة شعبية استثمارية للقبض على هذا الحلم، كالقابض على دينه، لأنه دون هذه الترعة، فلا مستقبل لمعظم أراضى الظهير الصحراوى الغربى، خاصة فى المنطقة الجديدة الواقعة على جانبى محور الضبعة، والدلتا الجديدة، ليتحقق الحلم من اسمها «مستقبل مصر».