كيف تسقط الدول؟ ما السبيل إلى ذلك وما الخطوات؟ كيف تنجح مخططات إفشال الدول ثم إسقاطها؟! وسؤال اللحظة: هل يمكن لفيلم، أياً كانت جماهيريته، أن يُسقط أمة؟! الإجابة عن السؤال تحتاج وقتاً ومساحة أكبر، لكن باختصار مَن يتآمرون على الدول يروجون مقدماً لمثل هذه المقدمات.. إذا قدموا برنامجاً تليفزيونياً تافهاً أشاعوا هذا الكلام: هل يمكن لبرنامج أن يُسقط دولة؟! وإذا أصدروا رواية خارجة عن كل قيمة بالمجتمع سيقولون المنطق ذاته: «هوّه فيه دولة تُسقطها رواية؟»، وإذا أنتجوا عملاً درامياً أو مسلسلاً تليفزيونياً يدخل بيوت الناس دون استئذان ويشاهده الأب والأم بجوار أبنائهما سيرددون الصيغة نفسها: «هوه فيه مسلسل يُسقط دولة؟!»، وبالطبع الإجابة سهلة وواضحة وهى أن دولة تتعرض لكل ذلك فى وقت واحد، فهى قطعاً دولة مستهدفة لا ينقذها بعد عناية الله إلا قدرات أجهزتها ووعى شعبها وهو ما لا يتم بالدعاء وبالتمنى، وإنما باليقظة والعمل الشاق وطلائع وطنية واعية من النخبة تكشف المؤامرة للبسطاء والعامة وتكون على الدوام فى ظهر الوطن وخلف أجهزته الوطنية!
المتخصصون فى أجهزة عالمية أسسوا لحروب الجيل الرابع ومارسوها، يقولون إن أحد الأعمدة المهمة فى بناء الدولة الوطنية المستهدفة هو الحياة العامة للشعب المستهدف، وفيها يتم استهداف قيم العائلة والأسرة والصحة والأعراق المختلفة والسكان والأهم قيمة العمل الذى به تنهض الأمم بعدها تتوارى قيم الترابط، ثم يتم الدفع أو محاولة الدفع بمشاكل عرقية وطائفية وتصديرها للمجتمع (تكون النزاعات والمعارك بين جماهير الكرة جزءاً من ذلك، بحيث لا تجتمع الأمة على شىء واحد فى ظل احتياج الأحداث والتحديات لهذا الإجماع) وازدراء قيمة العمل والتقليل من شأنه وإبراز قيم الشطارة والفهلوة والحظ والهجرة أو السفر للخارج.
بينما يكون المحور الآخر أو ثانى الأعمدة المستهدفة هو البنيوى وفيه يتم استهداف القانون فى المجتمع والنظام العام والعلاقات البينية والاجتماعية وكذلك الأمن والأحوال السلوكية وفيه يتم الترويج بل وتعمد إهدار قيم القانون والانضباط والالتزام بالنظام العام وكذلك التشريعات من أجل أن تتحول إلى غير ذات قيمة بلا أى معنى أو قيمة!! وفى ذلك يسعى المخططون إلى محاولة التقليل من شأن الجيش والشرطة عند الناس والانتقال بالعلاقات بين هذه المؤسسات والشعب من الاندماج التام إلى تحويلها إلى علاقات مصالح تخلو من أى حميمية أو تعاون!
أحد الأعمدة المهمة هو المحور الفكرى، وهو أهم هذه المحاور على الإطلاق وأكثرها اتساعاً، حيث يشمل الدين والتعليم والثقافة والإعلام، وهذا المحور يتم استهدافه لتشويهه كله وإحداث إرباك فيه، بحيث يتم تفريغه من مضمونه، فلا تربية دينية صحيحة تعلم الناس قيم الحق والخير والجمال والتسامح والعدل ولا شيوع لثقافة الشعب الحقيقية والأصيلة والأصلية كما هى ولا يوجد تعليم حقيقى يلبى متطلبات التقدم وتطلعات الشعب، بل تم استهدافها بثقافة غريبة ووافدة!
والخلاصة، نقول إن الحروب الجديدة لا تعتمد على حشد الأساطيل والطائرات والإنزال بالمظلات، حيث انتهى هذا النمط فى كثيرٍ من صراعات العالم اليوم وحل مكانه اختراق الشعوب من خلال الخطوات السابقة ومعها استهدافات أخرى، لكن تبدو المحاور السابقة هى الأساسية وبالتالى لا ينبغى الاستعانة بشىء منها.. فعمل فنى ردىء إلى جانب مسلسل تليفزيونى متجاوز لحدود القيم المجتمعية مع رواية توصف بأنها جريئة رغم أن وصفها الحقيقى هو الوقاحة مع حفل على شاطئ ما يتجاوز أيضاً كل الحدود مع ازدياد ظاهرة التجرؤ على الناس بالتحرر أكثر من اللازم حتى الترويج والتشجيع على تقبيل الأزواج لبعضهم فى الاحتفالات العامة وبالشوارع علناً، كل ذلك فى النهاية يؤدى إلى رسالة خطيرة جداً مفادها هدم المجتمع وإفقاده مناعته ليكون بعد سنوات آيلاً للسقوط!
ولا حل لمواجهة ذلك إلا حشد طاقات الأمة - والشباب فى قلب ذلك - فى مشاريع قومية تطرح الأمل فى صورة المستقبل أمام الجميع ثم رؤية شاملة لإعادة بناء الإنسان بمفهومه الشامل على أن تكون قواه الناعمة فى المقدمة وأيضاً بمفهومها الواسع الذى يشمل مع الموسيقى والغناء والسينما والمسرح، رموز تلاوة القرآن ولاعبى الكرة وكتاب الرواية والقصة والفن التشكيلى والنحاتين وغيرها وكل ذلك دون أى تهاون فى مواجهة أى محاولة لتفكيك المجتمع أو التشكيك فى ثوابته وهدمها.. وكما كانت طلائع التتار فى المنطقة قبل هجومهم على مصر ضمت «بلطاى» وآخرين، فللأسف الغزو الفكرى تكون طلائعه دائماً من «المستغربين» ممن تشبّعوا بالثقافة الغربية حتى آمنوا بها ويريدون بدوافع ذاتية نقلها لمحيطهم أو البعض يتم بكل أسى توظيفه لذلك!
الدولة المصرية يحميها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. يؤدون واجبهم فى كافة المواقع على الوجه الأكمل.. ولا يتبقى إلا يقظة الشعب نفسه.. واعتقادنا أن الأحداث تؤكد حسن الظن بشعبنا!