نشرت بوابة الأهرام منذ عدة أيام تفاصيل قضية فساد جديدة، جرت وقائعها فى مدينتى طنطا ودمياط، والقضية تتعلق برشوة اثنين من رؤساء الشركات القومية الكبرى؛ الأول رئيس شركة المياه بالغربية، والثانى رئيس شركة المياه بدمياط، وعدد من كبار المسئولين، وإسناد بعض المشروعات بمحافظتى دمياط والغربية لثلاث شركات تعدت قيمة الأعمال المسندة لهذه الشركات ٣٦٤ مليون جنيه!
وقائع القضية مشينة كغيرها من قضايا الفساد والرشوة، لكن فى هذه القضية نجد أن أقدم الشركات الثلاث المتورطة فى هذه القضية لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، أى تم تأسيسها عام ٢٠١٩، وأن المسئولين المتهمين وأصحاب هذه الشركات تجمعهم صلات قرابة وصداقة، أى إن جرائم الرشوة والفساد والإفساد تمت مع سبق الإصرار والترصد!
لن أخوض أكثر من هذا فى تفاصيل هذه القضية لأنها ما زالت بين يدى القضاء، ولم تصدر أحكام نهائية بشأنها، لكنها بكل المقاييس تشكل ضربة قاصمة للفاسدين والمفسدين، تحققت على يد الأجهزة الرقابية والأمنية التى تستحق تحية احترام وتقدير.
أما جوهر الأمر فى هذا الموضوع فهو مثير للعجب، فهو ذلك السؤال المحير الذى لا إجابة عنه: كيف سوَّلت أنفس هؤلاء الإقدام على مثل هذه الجرائم؟
كلنا يعلم كيف تؤدى الأجهزة الرقابية فى مصر دورها على أكمل وجه خلال السنوات الأخيرة، وكيف لم تستثن مسئولين كباراً منهم وزراء ومحافظون ورجال أعمال ورؤساء هيئات ومديرون، لم تخفِ أو توارِ سوءاتهم، بل أعلنت عنها، ورغم كل ذلك ما زال الفساد ينخر فى عظام هذا البلد، كيف امتلكوا الجرأة على ارتكاب هذه الجرائم فى بلد يحاول رئيسه أن ينمى ويعمر ويطور فى ظل ظروف محلية ودولية غاية فى الصعوبة؟
ثم كيف هانت على هؤلاء عائلاتهم وأصدقاؤهم؟ ألم يفكروا فى ذويهم كيف سيمثلون لهم عاراً لا يُمحى بعد أن كانوا مصدر فخرٍ وشرف؟
مرحلة البناء والتنمية والتعمير والتحضر التى تعيشها مصر الآن لا تقل فى صعوبتها عن فترات الحروب، وما يفعله هؤلاء هو الخيانة بعينها، ومن يخن أثناء الحرب يجب ألا يخضع للقوانين العادية، بل يجب أن تطبق عليه قوانين استثنائية بعقوبات مغلظة تجعله يفكر كثيراً قبل أن يتجرأ ويُقدم على خطوة فاسدة كتلك التى يُقدم عليها هؤلاء الفاسدون وغيرهم، وهذا ما يجب الآن أن تُقدم عليه الدولة المصرية بكل شجاعة.
فلا يمكن لمن نهبوا أموال الشعب فى تلك الأيام الصعبة أن ينعموا بما ينعم به السارق والقاتل والمزور، لأن جريمتهم أكثر بشاعة من كل هؤلاء!
من ناحية أخرى، يجب نشر التوعية الواسعة بين قطاعات الشعب المصرى، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والمسجد والكنيسة، وتشجيع المواطنين على معاونة الأجهزة الأمنية وتقديم المعلومات اللازمة وسرعة التبليغ عن أى مظهر من مظاهر الفساد والرشوة، وأن تنشر أسماء وصور كل من حصل على أحكام قضائية باتة تدينه فى مثل هذه القضايا، هذا إن كنا نريد حقاً تطهير بلدنا من هذا الورم الخبيث، الذى يلتهم كل إنجاز ويشوه كل القيم ويحبط الشرفاء المتمسكين بجمر مبادئهم.