مع انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب، أحد أهم الأحداث الثقافية المصرية، تتجدد مفارقة العلم والطب من جهة، وقنديل «أم هاشم» من جهة أخرى. نقيم احتفاليات ثقافية كبرى، ونعانى فى الوقت ذاته من حالة استشراء كبرى لعدد من الظواهر السلبية مثل اللجوء للسحر والشعوذة.
فى العالم المتقدم كله، خفُت سحر السحر ذاته مع التقدم التكنولوجى، فيمكنك الآن أن تركب بساط الريح بمجرد حجز تذكرة طيران زهيدة الثمن، كما أن البلورة السحرية موجودة فى كل بيوتنا ونُطلق عليها «تليفزيون». أما مصباح علاء الدين فنسميه «موبايل» ونمرر عليه أصابعنا فيستدعى كل من نريد عبر شبكة اتصالات عالمية. الأزمة أن هناك بلداناً وصلتها التكنولوجيا ولم يصلها التحضر بعد، وهذه هى البيئات الخصبة للسحر. ومع ذلك فالعديد من الأشياء لها سحرها الخاص، مثل: الأماكن والعيون والعطور والبيان وغيرها. ومن المتواتر أن طقوس السحر قد بدأت منذ حوالى سبعة آلاف سنة فى بلاد فارس على يد ساحر يدعى «زوروستار». لكن بلاد السحر الحقيقية هى الهند بكل تأكيد.
منذ عدة سنوات تجمع فى الهند دستة من الأشخاص وضربوا إحدى قريباتهم حتى الموت لأنهم اشتبهوا فى أنها تمارس سحراً يتسبب فى مرض حفيدها. وهو حادث متكرر، ففى السنوات العشر الأخيرة تم قتل أكثر من ألفى شخص، معظمهم من النساء، بسبب اتهامهم بممارسة السحر.
فى السعودية، بالمدينة المنورة، منذ سنوات، فشل أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى القبض على إحدى المطلوبات لديهم، فقالوا إنها طارت أمامهم كعصفور وهربت. وقتها قال أحد أعضاء هيئة «كبار العلماء» إن: «الفقهاء ذكروا أن بعض السحرة قد يركب المقشة ويطير فى الهواء وذلك بمساعدة الجن». وكلام هذا «العالِم» صحيح وقد رأيته بعينى وأنا صغير بمجلة «ميكى»، فقد كانت الساحرة «سونيا» تطير على مقشتها بالفعل لتحاول سرقة قرش الحظ من «عم دهب». والأمر وصل لدرجة أسوأ من ذلك، فى نيجيريا، حين قبضت الشرطة على عنزة للاشتباه بها فى محاولة سطو مسلح، وبررت ذلك بأن اللص استخدم السحر الأسود لتحويل نفسه إلى حيوان للهرب.
رغم أن هذا كله تخريفات، لكن أذكى الأذكياء قد يقع ضحية للسحر والنصب، فالكاتب الإنجليزى «أرثر كونان دويل»، مبتكر شخصية «شارلوك هولمز»، فقد ابنه «كينجسلى» فى الحرب العالمية الأولى، فاتجه إلى دراسة الروحانيات وأصبح رئيساً لجمعية متخصصة فى هذا الشأن، ثم نصبت عليه إحدى المشعوذات التى وعدته بتحضير روح ابنه!
هناك بلدان تهتم بسحر العلم، وبلدان أخرى يغريها علم السحر. ويكفى أن نعرف أن حجم إنفاق العرب السنوى على الشعوذة والعرافين تخطى الخمسة مليارات دولار سنوياً. فما الذى سيحدث لو تم توجيه هذه المبالغ للبحث العلمى مثلاً؟ الحقيقة لن يحدث الكثير، لأن روسيا وحدها تصرف على البحث العلمى أكثر من خمسة أضعاف هذا الرقم، وهو نصف ما تصرفه كوريا الجنوبية، التى تخصص بدورها للبحث العلمى حوالى ربع ما تخصص الصين التى تقدم للبحث العلمى ثلث ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية.