تتغير المجتمعات بالأخلاق وتبنى بها.. وتهدم بها أيضاً، لذلك فللمجتمعات حق الدفاع عن نفسها.. وقتما يستلزم الأمر.
الأخلاق مطروحة فى فاترينات النزاع الثقافى والهيمنة. لا بد من الاعتراف بحروب ثقافية تستهدف تغيير المعتقدات الجمعية فى نزاع ثقافى يبدأ من محلات البيتزا.. وينتهى عند البنطلون الجينز المقطع من عند الركبة!
أنفقت الولايات المتحدة فى الثمانينات ملايين الدولارات لإيهام مواطنى شرق أوروبا أن الهامبرجر هى الأكلة الصحية الأطعم والألذ فى العالم، بينما كان المواطن نفسه يلعن البرجر.. ويصب ملايين اللعنات على تزايد محلات البيتزا.
فى النزاع مع الاتحاد السوفيتى نفذت الأجهزة الأمريكية للمواطنين السوفيت، من مفاهيم الحرية المغلوطة، والأكلات المزينة بالصوص والمستردة.
حروب الذوق كانت مطروحة فى الملعب، إلى جانب حروب المخابرات، والنزاع على جغرافيا نشر الأسلحة. بالأحرى كانت حروب الثقافة والقيم جزءاً من حروب المخابرات.
فى الشهر التالى لسقوط الاتحاد السوفيتى، بعد بروسترويكا جورباتشوف، كان ملايين السوفييت يتزاحمون على أول محل برجر افتتحوه فى بيترسبرج.. قبل أن يكتشف الروس أن التغيير ليس مجرد «أكلة».. وأن الحرية ليست فى البيبر صوص أو المستردة!
الكام يوم اللى فاتوا قلب فيلم الدنيا بآراء متباينة، لكن المسألة كانت أكبر من مجرد فيلم، وأوسع من معجبين بنجوم لهم جمهور عريض.. ومريدون.
يمكن قبول كل الآراء، على تباينها، فى الفيلم، بشرط وضع حروب القيم فى الخلفية، وباعتبار أن تلك النوعية الجديدة من الحروب واقع.. وحقيقى.. والكلام عنها موثق.
تستهدف حروب القيم تغيير الأخلاق، وتغيير الذوق، وبالتالى تغيير البنية الاجتماعية. تستهدف تلك الحروب الاستمالة الثقافية، مرة بحجة الحرية، ومرة بدعوى التجديد.
الأخلاق هى الفكر الجمعى لتمييز ما هو صائب أو خير عما هو خاطئ أو شر. منظومة القيم هى الدافع الأول لمجتمع ما نحو الفضائل. المعتقدات القيمية هى السند الأقوى للشعوب فى تكوين أنظمة حكمها وقوانينها، وهى المعيار الأهم فى تعامل الشعوب مع قضاياها المختلفة وعلى رأسها الانتماء.
للأخلاق الجمعية تأثير فى طريقة تصرف الفرد ونظرته لنفسه ولمجتمعه.. ولوطنه. لا تسير المجتمعات دون معايير أخلاقية نحو الخير. يظل الأفراد بلا قيم بلا مصدر ملزم للامتناع عما هو خاطئ.. أو شر.
الفنون أو ما يعرض متلبساً بلبس الفنون واحد من أكثر أساليب حروب القيم. تبقى الدراما والسينما الأكثر تأثيراً، لأنهما الأكثر جاذبية، والأكثر قدرة على الإبهار.. والأكثر جذباً لمختلف الأعمار والفئات.
الفضاء واسع يصعب السيطرة على مواده المذاعة أو المعروضة بأكثر من وسيلة. لكن هذا لا ينفى أن كثيراً من تلك الوسائل، تستهدف قيم المجتمع وأخلاقه تحت مسميات مختلفة.
كثيراً ما تستغل الحريات استغلالاً مضاداً. سقوط الأخلاق فى مجتمع ما، وتغير قيمه، بتغيير ذوقه، يسهل وقوعه أسير ثقافة أخرى فى الطريق لمجتمع جديد.. بثقافة وذوق جديدين.
تدعم قيم الشعوب تماسكها الجمعى، وفى حالة ما إذا تغيرت الأخلاق، فمن السهل إجراء أى تغيير سياسى بعد تغيير الانتماءات.
لذلك تظل الأخلاق قضية أولية قبل القانون. نطاق الأخلاق أوسع وأشمل من نطاقات القانون. تتعلق المنظومة الخلقية بنظرة الإنسان لذاته، ولوطنه، بالتحكم فى ضميره وتكوينه، فيما تقتصر نطاقات القانون على السلوك الظاهر.
المسألة أكبر من فيلم.. وأوسع من الكلام عن حدود حرية الإبداع!