أثارت زيارة مفتى الجمهورية الدكتور على جمعة للقدس والمسجد الأقصى أزمات وزوابع حادة أكثرها شعبى، وبعضها صدر من أحزاب ومؤسسات وجماعات؛ مما أعاد إلى الذاكرة الأزمات والزوابع التى أثارتها زيارة الرئيس السادات للقدس كخطوة أولى لاتفاقية السلام التى تلاها تحرير سيناء.
لقد أخذت هذه الزيارة ردود فعل أكثر مما ينبغى حتى طالب البعض بإقالة المفتى بسبب هذه الزيارة، رغم أنه ذهب ضمن وفد علمى أردنى لزيارة القدس والصلاة فى المسجد الأقصى معه.
وزيارة المسلمين للقدس والمسجد الأقصى يتنازعها رأيان فقهيان لا ثالث لهما:
الأول: هو رأى الشيخ يوسف القرضاوى الذى يحرم على المسلمين زيارة القدس والمسجد الأقصى تحت ظل الاحتلال، لأن فى ذلك نوعاً من الإقرار الضمنى بشرعية الاحتلال أو نوعاً من التطبيع الضمنى مع الإسرائيليين، وأن منع الزيارة سيفيد القدس والأقصى. وهذا الرأى يتبعه الآن أكثر المسلمين.
والثانى: هو رأى مفتى القدس وبعض العلماء الفلسطينيين، ويدعو المسلمين إلى زيارة القدس والأقصى، لأن عدم زيارتهم يزيد من عزلتهما ويضيق الخناق عليهما ويساعد على نسيان المسلمين لمأساتهما ويجعل الإسرائيليين يعربدون أكثر وأكثر. ويقولون: هل الذى يأتى إلى القدس ويصلى أو يعتكف فى المسجد الأقصى مثل الذى يسمع عنه أو يقرأ عنه، ويقولون كذلك إن غياب المسلمين عن القدس والمسجد الأقصى هو الذى أضعف موقفهم، وإن زيارة المسلمين للقدس ستعطى قوة معنوية واقتصادية لمسلمى القدس، وإن أهل مكة أدرى بشعابها. ويتساءلون: هل مُنِع المسلمون عن زيارة القدس والأقصى حينما كان تحت الاحتلال الصليبى من قبل.
المتفحص فى الرأيين الفقهيين يرى أنهما لم يستندا على نص قطعى من قرآن أو سنة، ولكنهما استندا على الرأى وقياس المصالح والمفاسد، وأن كلا الرأيين يمكن أن يكون راجحاً أو مرجوحاً. وقد يثبت الزمان رجحان كفة أحد الرأيين على الآخر. فالجميع عارض زيارة السادات للقدس والصلاة فى المسجد الأقصى ثم ثبت أنها كانت الأبعد نظراً والأعمق رؤية من العراق وسوريا وليبيا والبلاد التى عارضت الزيارة والمعاهدة، ولم يقدموا فى نفس الوقت شيئاً للقضية الفلسطينية أو يحرروا أراضى فلسطين لا بالسلام ولا بالحرب.
وبما أن كلا الرأيين لا يستند على نص قطعى من قرآن؛ فلا داعى للطعن أو الشتم أو السب أو الإيذاء أو العزل.. وعلينا أن ندع الأيام لتثبت صحة أحد الرأيين فى خُلق كريم وأدب رفيع. ومع ذلك كان ينبغى على الدكتور على جمعة ألا يعرض نفسه للقيل والقال والهمز واللمز، وأن يلتزم برأى الأغلبية حتى وإن كان لا يراه صواباً حتى يأذن الله بالتوحد على رأى سديد ينفع الأمة كلها بدلاً من هذا التمزق الفظيع.