أمير رمسيس: يهود مصر تعرضوا للظلم وكانوا العدو الأسهل من منطق القومية
الفيلم الوثائقي "عن يهود مصر"، الذي يؤرخ لطائفة كانت جزءًا من المجتمع المصري، حتى تشابكت الأحداث والظروف التي وضعتهم في خانة العدو، يمتلئ تاريخها بأنصاف الحقائق والأكاذيب، طائفة تعرضت لظلم كبير ساهمت فيه "إسرائيل" والنظام المصري نفسه، أمير رمسيس مخرج فيلم "عن يهود مصر" تحدث للوطن عن الفيلم والقصص التي اصطدم بها، ووثق لها من خلال فيلمه، وعن حالة اليهود الباقين في مصر والمنفيين إلى خارجها، وعن قصة تحول المجتمع المصري من مجتمع متسامح إلى مجتمع لا يتقبل الآخر الذي له الحق في مشاركته مجتمعه.
- أمير رمسيس مخرج فيلم عن يهود مصر، حدثني أكثر عن فيلمك؟
الفيلم يتحدث ببساطة عن الطائفة اليهودية المصرية في مصر، في الفترة من بدايات القرن العشرين، وحتى الخروج التدريجي سنة 48 والخروج الكبير سنة 56، الفيلم يتعرض لطائفة اليهود وتواجدها في المجتمع المصري على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، ويتطرق الفيلم لفكرة رؤية المصريين لليهود التي تغيرت من خلال التسطيح ومن خلال الإعلام الرسمي، وفكرة الخلط بين اليهودي والصهيوني، والإسرائيلي في كلمة واحدة فقط هي "عدو".
- لماذا تناولت تحديداً الطائفة اليهودية في مصر؟
لأنها أبرز مثال للفكرة، هي طائفة كانت موجودة بشكل كبير جداً في مصر، و حالياً ما تبقى منها أعداد قليلة جداً ربما لا تتعدى الـ100فرد، وبشكل مباشر يجب أنا نعترف أن هناك نظرة عدائية تجاههم من المجتمع المصري، فهناك واحد من بين كل تسع مصريين في الشارع يفصل بين كلمتا يهودي، وصهيوني، وهذا يلخص فكرة علاقة المصريين بالآخر.
- عرض فيلم يرصد تغير شخصية المجتمع المصري من المجتمع المتسامح إلى لا يتقبل الآخر، هل كان التوقيت مقصوداً؟
من الصعب ربط الفيلم بالتوقيت، فقد بدأت مثلاً تحضير الفيلم في 2008 وبدأت التصوير في فرنسا في صيف 2009، فالفيلم بحد ذاته تجربة زمنية ممتدة وليست مرتبطة بحدث زمني معين، وأنا أرى أننا نعاني من هذه المشكلة منذ زمن طويل، فأنا عمري 33 سنة وكنت أشاهد هذه المشكلة منذ صغري، فالفيلم يمكن استخدامه بعيداً عن الظرف الزمني الحالي.
- هل تخف من الجدل الذي يمكن أن يحدث من وتيار الإسلام السياسي؟
لم أخف، لأني أردت أن يحدث هذا الجدل، لأن الناس ستبدأ بالتفكير وطرح الأسئلة عند حدوث الجدل، هذا الجدل يمكنه أن يحدث حراك يوعي المجتمع- على الأقل عدد من أفراد هذا المجتمع- هذا جزء من أهداف الفيلم.
- ما هو السبب الذي أدى إلى تحول شخصان مولودان في نفس المكان، وتتحول العلاقة بينهما إلى العداء لمجرد اختلافهم في الديانة ؟
لا أريد التعميم، فحالة اليهود حالة خاصة، وسيناريو الفتنة الطائفية مختلف، وإن كان المسبب هو نفسه، لكن الظرف الزمني مختلف، ففي حالة اليهود، في ظل حاجة النظام – مصر- إلى خلق عدو من منطق القومية أو من منطق الدفاع عن الهوية، فكان العدو الأسهل هو اليهود، خاصة في ظل وجود إسرائيل.
- الفيلم يكشف بعض حقائق عن يهود مصر، وأنهم أول من حاربوا التيار الصهيوني، فما هي مصلحة نظام عبد الناصر في تهجير وتشويه طائفة تحارب معه في نفس الجبهة؟
في البداية لو تحدثنا عن "عصبة مكافحة الصهوينية" والتي تكونت من قبل اليهود الشيوعيين تحديداً، فقد كانت قبل عبد الناصر وحوربت لأنها حركة يسارية وليس لأنها تكافح الصهيونية، أما فيما يخص عبد الناصر، فأنا لم أكن مقرباً منه، لكن أظن أن نشأة نظام له صراعات مع أكثر من جهة وأكثر من دولة وأكثر من تيار داخل الدولة، فهو يحتاج إلى عدو ليصنع من نفسه بطلاً، كما أن دور إسرائيل لم يكن أفضل، فمثلاً عملية "سوزانا" التي دبرتها المخابرات الاسرائيلية بالتعاون مع يهود الإسكندرية التي يظن البعض أن الهدف منها هو تهجير اليهود من مصر، هناك سيناريو يتحدث عن مؤامرة بين المخابرات الإسرائيلية، والجامعة العربية لتهجير اليهود من مصر، لأنهم يعتبرون أيدي عاملة رخيصة لبناء الوطن، فقد أعطت هذه العملية المبرر لفكرة أن اليهود هو "العدو"، خاصة بعد تصفية الإخوان المسلمين في 54 وخلو الساحة من أعداء النظام، واليهود كانوا هم أفضل اختيار للعب هذا الدور.
- هل يمكننا القول أن الدور الذي لعبته الدولة أيام عبد الناصر هو نفسه الدور الذي لعبته الدولة بعد ثورة 25 يناير؟
لا نستطيع الربط، لأن الظرف والسيناريو مختلفين، وأيام عبد الناصر كان عدد الطائفة كبيرا، حالياً عددهم قليل جداً.
- حدثني عن أهم الصعوبات التي واجهتها بعد 3 سنوات من العمل على الفيلم؟
تتبع الآثار كان دائماً الأصعب، ففي بداية التصوير كنت مهتماً بالتصوير في فرنسا مع يهود "مجموعة روما" التي كانت حول هنري كوريل، وهم أعضاء في الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني التي كانت مرتبطة بالضباط الأحرار بالمناسبة ومع ذلك تم طردهم من مصر في 1952، فكنت مهتماً بالتصوير معهم خاصة أن هنري كوريل كان من الذين فجروا فكرة في الفيلم عندي.
- بالحديث عن هنري كوريل، كشفت في فيلمك عن حقائق مهمة تخصه ربما لا نعرفها، خاصة أنه واحد من المصريين الذين ساعدوا في انتصار مهم لمصر..
في الحقيقة هو لم يساعد حقاً، ففي الواقع استطاع هنري كوريل من خلال شبكة علاقاته في فرنسا أن يصل إلى خطة العداون الثلاثي، وسلمها لثروت عكاشة، وهو سلمها بدورة لعبد الناصر، لكن المخابرات لم تصدقه وقتها، ووصفت المعلومات بالخزعبلات، وحدث العدوان بالفعل، وحتى بعدها، فقد ظل كوريل العنصر الذي يستعين به عبد الناصر في مفاوضات له مع إسرائيل، وهذا مذكور في شهادات كثير من أعضاء مجلس قيادة الثورة، هذا غير دوره في دعم منظمة التحرير الفلسطينية مادياً ومعنوياً.
- هل واجهت صعوبات تتعلق بالأمن خلال تصويرك الفيلم؟
ليس بشكل مباشر، لكن كان هناك الكثير من الهواجس الأمنية والملاحقات من قبل الأمن لأبناء الطائفة، فمثلاً عند محاولتي التحدث مع رئيس الطائفة بالاسكندرية، قال لي أن هنالك ضابط مسؤول عن ملفهم في أمن الدولة يجب استشارته قبل الحديث مع وسائل الإعلام، ويجب استشارته في نقاط الحديث، طبعاً ليس هناك جهة يمكن أن تعطيك ورقة بالمنع أو برفضها تحدث اليهود مع وسائل الإعلام، ورفض الضابط حديث رئيس الطائفة معي، وبعد 25 يناير وحل أمن الدولة، قدمت الطلب مرة أخرى وفوجئت بأن نفس الضابط مازال مسؤولاً عن ملف اليهود، ومازال المنع مستمراً.
- لكنك استطعت التصوير معهم..
نعم، ولكن بصعوبة، ليس فقط بسبب الأمن، ولكن بسبب صعوبة الوصول إليهم، فاليهود حالياً في مصر أعدادهم قليلة، هذا غير أنهم لا يصرحون عن ديانتهم إلا في حدود المعارف، خوفاً من المجتمع.
- في إعلان فيلمك عرضت لقطة لرجل سألته عن "ليلى مراد" قال لك إنها "كويسة" وعندما أخبرته بأنها يهودية قال لك إذا هي "مش كويسة"، كيف رأيت هذا الموقف؟
كان بالنسبة لي موقف "هايل"، فالموقف هو الفيلم نفسه، هو يمثل فكرة رؤيتنا لليهود على إنه الآخر البعيد.
- فكرة إقصاء شخصيات محترمة وتحظى بالحب لأنهم "يهود"، هل صورة مجتمعنا قاتمة إلى هذا الحد؟
جداً، نحن وصلنا في التسطيح للحد الأقصى، والأسوء من ذلك نظرية "يهودي بس كويس" والتي عبرت عنها النكتة التي انتشرت منذ فترة "بنت بس جدعة، مسيحي بس كويس ..."، هذه النظرية هي أسوأ من نظرية التعميم بحد ذاتها.
- تحدثت في حوار تليفزيوني سابق عن ذهابك لأخذ تصريح من الرقابة لتصوير الفيلم في مصر، بعد أن كنت انتهيت تقريباً من تصوير مشاهد الفيلم، ما كان هدفك من هذا الموقف؟
كنت صورت معظم المشاهد قبل التصريح، ثم فكرت في أني أردت من الفيلم صناعة جدل بين الناس، لذلك فكرت في التقدم لأخذ تصريح بالتصوير من الجهة التي سأحتك بها لا محالة، لأصنع لديهم الجدل الذي أريده، وأقنعتهم أن آخذ تصريح للفيلم على أن يشاهد بعد الانتهاء منه، وقد شاهدوه وأخذ الفيلم تصريح بدون ملاحظات، وهي شجاعة من الرقابة، خاصة أن للإخوان دور واضح في الفيلم، فكانت شجاعة من الرقابة أن تعطي تصريح للفيلم.
- قلت إنك صورت مع يهود القاهرة وقابلت يهود الإسكندرية خلال تصوير فيلمك، هل المعلومات حول يهود القاهرة أكثر ميلاً لإسرائيل من يهود الإسكندرية صحيح؟
لا استطيع أن أجزم بالأرقام لكن مؤيدو إسرائيل سافروا إلى إسرائيل منذ 1984 عندما بدأت الدعوات للسفر إلى هناك، لكن المؤلم حقاً عن أعداد الذين آمنوا بفكرة إسرائيل وسافروا في بداية التهجير التدريجي في 1948 صغيرة بالمقارنة مع الأعداد التي سافرت في 1955 و 1956، ومعظم الذي سافروا في 1965 من الذين يسكنون حارة اليهود ولم يكونوا يملكوا القدرة الاقتصادية للسفر إلى أوروبا، لذلك اضطروا إلى الوكالة الإسرائيلية التي كانت تعمل على تسفير اليهود إلى إسرائيل والتي كانت تعمل المناسبة في مصر بعلم الدولة، وهذا بعد أنا تم طردهم من مصر.
- خلال 3 سنوات من العمل على الفيلم، ما هي أهم حقيقة تأكدت لدى أمير رمسيس عن يهود مصر؟
من الصعب تلخيص 3 سنوات عمل وساعة ونصف بصرية في جملة، لكن يمكنني تلخيصها في فكرة الظلم، فمن المهاجرين من لم يطأ إسرائيل وممنوع من دخول بلده "مصر" إلا بتصريح من الرئاسة، فكان ثروت عكاشة ومن بعده آخرون مثل رفعت السعيد يتدخلون لدى الرئاسة لاستخراج تصريح لأحد اليهود المصريين ليدخلوا البلاد، بينما يستطيع أي إسرائيلي صهيوني دخول البلاد بختم عادي وبدون مشاكل.
- المجتمع المتسامح الغني بالكثير من الطوائف، هل يمكن أن يعود مرة أخرى في المستقبل؟
من الصعب تغيير المجتمع وصل لحالته الحالية في 45 أو 50 سنة بين يوم وليلة، لكن ربما إذا بدأنا بتوعية المجتمع، سنرى تغييراً لكن على الأقل بعد نصف قرن من الآن.