يبدو العام الجامعى الجديد ملبداً بالغيوم بنفس الصورة التى كان عليها العام الماضى.. فما زال العنف هو اللغة الأكثر شيوعاً داخل أسوار الحرم.. وما زالت أصابع الإخوان تعبث غير عابئة بمستقبل هؤلاء الشباب الذين يظنون أنهم يدافعون عن فكرة نبيلة.. ولا يدركون أنهم ينفذون مخططاً قذراً.. يهدف إلى زعزعة الاستقرار فى هذا الوادى الطيب لأطول فترة ممكنة.. حتى يتمكن كبارهم من إجبار الحكومة على الجلوس إلى مائدة التفاوض.. فيتمكنون من إنقاذ رقابهم التى اقتربت أيدى القانون من قطعها.
المشكلة ليست جديدة.. فقد ترك نظام مبارك الساحة الجامعية لذيول الإخوان بالكامل لفترة طويلة.. واكتفى بالاطمئنان لاتحاد طلابى غير حقيقى ولا يعبر عن الطلبة بصورة صحيحة.. يختاره الأمن وحده.. وترك عقول الطلاب للأفكار المضلة لتلك الجماعة.. الذين انتهزوا فرصة الإبعاد الذى كان يمارسه النظام معهم فى تقمص دور الشهداء الذين يبغون الإصلاح.. فاقتنع بهم الكثيرون بالفعل.
المشكلة أن هذه الصورة كانت متوقعة منذ العام الماضى.. فالعنف الموجود والصورة الضبابية داخل أسوار الجامعات لم تختلف.. ومع هذا لم تتخذ الحكومة إجراءات كافية.. للحد من هذه الظاهرة التى تهدد الحياة الجامعية بالكامل.. وتؤدى إلى خروج الدراسة بصورة مشوهة.. بل وتقوض الحياة داخل الجامعة من أساسها.
الكل بحث عن الحل الأمنى.. واطمأن إلى فعاليته. ولكنهم اكتشفوا أن الأمر أصعب من أن تحله قنبلة الغاز.. فلن يؤدى ذلك الحل إلا إلى ترحيل المشكلة لزمن لاحق! بالإضافة إلى ظهور الإخوان بصورة المظلومين الذين يبطش بهم النظام.. ويغتال مستقبلهم!
إن الفكرة يا سادة لا تحارب سوى بالفكرة.. والشباب الذى ما زال يبحث عن هويته فى الحياة الجامعية يخلص للفكرة متى اقتنع بها -حتى ولو كانت فاسدة- بل ويؤمن أن الدفاع عنها واجب مقدس.. حتى ولو كلفه ذلك مستقبله.. كان من الواجب على وزارة التعليم العالى أن تبدأ مشروعاً فكرياً ضخماً.. ينطلق مع انطلاق العام الجامعى.. ويهدف إلى فتح آفاق النقاش بين الطلاب.. وبين مجموعة منتقاة من أعضاء هيئة التدريس.. الذين يحملون من الفطنة والحكمة ما يمكنهم من مواجهة الأفكار المغلوطة لتلك الجماعة الضالة المضلة.. بل ويشارك فيه الإعلام بذراعه الواعية المتفهمة.. وبوجوه لم تتلوث بنفاق أو رياء للسلطة.. فنتجنب جميعاً تلك الصورة الرديئة التى وصلنا إليها هذه الأيام.. ونحول طاقة الشباب إلى حوار بناء.. ويصبح تعبيرهم عن آرائهم داخل منظومة ترعاها الدولة.. بدلاً من مشاهد الفوضى التى تحدث الآن.. مشروع كهذا كان يمكن أن يكون نواة جيدة لحوار مجتمعى مطول.. يتم التعبير فيه عن كل الآراء.. بل ويتم استضافة مسئولى الحكومة من خلاله داخل الجامعات ليشرحوا أوجه التقصير ومراحل الإنجاز الذى تحقق، بل ويسمح للطلبة بانتقاد أوجه التقصير فى أداء الحكومة.. ولكن بصورة أكثر تحضراً.. بالإضافة إلى أن إشراك الطلبة فى هذا الحوار الفكرى سيتيح لهم التعرف على الفكر الآخر ويتيح لهم إعادة تقييم مواقفهم المسبقة بصورة أكثر شمولية.
فتشكيل الوعى السياسى والفكرى للطلبة لا يقل أهمية عن تلقين العلوم.. ينبغى أن يقوم عضو هيئة التدريس بدوره الريادى الذى لا يقل أهمية عن دوره العلمى.. ويجب أن يتم غرس أسس الانتماء للوطن داخل هذا الجيل بصورة سليمة.. إن كنا نريد أن نجد لهذا الوطن مستقبلاً.