بدايةً لم يلزم أحد الرئيس محمد مرسى -وقت أن كان مرشحاً ضمن عدة مرشحين للفوز بمنصب رئيس الجمهورية- أن يقطع على نفسه وعوداً بتحقيق حلول لخمسة ملفات مهمة تؤرق المواطن العادى وأعنى بهم ملفات الأمن ورغيف الخبز والنظافة والوقود والمرور، فهو الذى ألزم نفسه ودون طلب من أحد بذلك.
وكنت أحسب أن ما وعد به الرئيس مرسى كان خطاباً انتخابياً لكسب الأصوات الحائرة أو المترددة بين المرشحين لصالحه، خاصة أنه لم يكن يعلم -قبل توليه الرئاسة- ما حجم المشاكل التى يعانيها الوطن وما الإمكانات المتاحة لاقتحام وحل هذه المشاكل، ولا أشك فى حسن نيته وقت أن أطلق هذه الوعود، لكننى قبل إجراء جولة الانتخابات الأولى وفى برنامج الرئيس الذى أذيع على قناتى «الحياة» و«الحرة» أوضحت وأكدت استحالة تحقيق هذه الوعود وبنيت استنتاجى على أن المرشح محمد مرسى لا يعلم يقيناً إمكانات الدولة وكمّ المشاكل التى تواجه هذه الملفات الصعبة، وبعد انتخاب الدكتور مرسى رئيساً تابعت وملايين المصريين أداء الرئيس الذى ألزم نفسه بهذا وتبين صحة ما قررت به من استحالة حل هذه المشاكل، وأقنعت نفسى بأن الرجل كلف نفسه بما لا يطيق وتجاوزتُ أمر الملفات الخمسة وكنت كمواطن أراقب الأداء العام للرئيس بصرف النظر عن هذه الملفات، وقدرت أن من يتطلعون لصالح الوطن على المدى البعيد لن يتوقفوا كثيراً أمام تحقيق أو عدم تحقيق هذه الوعود، فأمامنا أربع سنوات وعلينا أن نتكاتف جميعاً من أجل نجاح الوطن فى اجتياز أزماته وليس من أجل نجاح الرئيس مرسى.
غير أننى فوجئت فى خطاب الرئيس باستاد القاهرة احتفالاً بانتصارات أكتوبر أن الرئيس بنفسه هو الذى ينكأ الجراح ويذكرنا بوعوده خلال المائة يوم، وليته ما فعل.. ذلك أن ما حاوله الرئيس من إظهار تنفيذه لوعوده أظهر سلبيات كان الرئيس وكنا معه فى غنى عنها؛ فسيادته وضع نسباً للنجاح، مثلاً مشكلة رغيف الخبز حلت بنسبة 80% والمرور بنسبة 60% والنظافة بنسبة 40% إلى آخر النسب ولم يذكر لنا الرئيس ما المستهدف من نسبة 100% من حلول هذه المشكلات حتى نستطيع أن نقيم صحة الأرقام التى قال بها، فضلاً عن أن المواطن العادى لم يشعر بتحسن فى هذه الملفات جميعها فيما عدا ملف الأمن وإن كان هذا التحسن قد بدأ منذ حكومة الدكتور الجنزورى وتولى اللواء محمد إبراهيم مسئولية وزارة الداخلية، وفتح الدكتور محمد مرسى على نفسه أبواباً من النقد كان يمكن أن يتلافاها مع تفهم الشعب لصعوبة المشاكل التى نعانيها، خاصة أن الرئيس مرسى كانت له نجاحات لا يستطيع منصف أن يغفلها، وكانت له أيضاً إخفاقات لا يستطيع أحد أن يمارى فيها حتى ممن أيدوه؛ فمن أهم النجاحات التى حققها الرئيس فى المائة يوم الأولى هو التخلص من الازدواجية فى الحكم وتوحيد السلطات فى يد الرئيس المنتخب بعد أن كانت موزعة بينه وبين المجلس العسكرى، والأهم أن ذلك قد تم بهدوء ودون أن تهوى البلاد فى منزلق أخطار الصراع على السلطة بما كان سيضر حتماً بالشعب وبالوطن وكذلك من النجاحات تنويع العلاقات الخارجية بزيارة العديد من الدول من الصين إلى الولايات المتحدة إلى أوروبا وأفريقيا.. وفى رأيى أن هذه الزيارات كانت مهمة لجلب استثمارات وقروض للنهوض بالاقتصاد المصرى، إضافة للبدء فى استعادة مصر لدورها الإقليمى والعربى والدولى، كذلك من النجاحات إظهار التأييد لحرية الفن والإبداع -قوة مصر الناعمة- وتبدى ذلك فى لقائه الفنانين والمفكرين واستنكاره للهجوم الذى تعرضت له الفنانة إلهام شاهين، وهذا اللقاء أزال كثيراً من المخاوف، ليس لأهل الفن والإبداع فقط ولكن لقطاعات كبيرة من الشعب، وكذلك يحسب للرئيس الإفراج عن المعتقلين السياسيين وتصفية قوائم الترقب والوصول من آلاف المواطنين من هذه القوائم.
أما الإخفاقات فكان أهمها قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب بالخلاف لحكم نهائى وبات من المحكمة الدستورية العليا، وكذلك تفاقم مشكلات الوقود من البنزين والسولار والبوتاجاز، إضافة إلى انقطاع الكهرباء الذى كان بصفة يومية.
وأعتقد أن حرية الإعلام والصحافة ليست فى أفضل حالاتها بدليل استحواذ الإخوان والموالين لهم على الصحف القومية، ويكفى لإثبات ذلك مراجعة أسماء 45 رئيس تحرير لوسائل الإعلام الحكومية، فضلاً عن تعيين وزير إعلام إخوانى صريح وكنا -ومعنا الإخوان المسلمون- فى عهد مبارك نصرخ بأن التليفزيون المصرى ملك للشعب كله ولا يجوز أن يحتكره الحزب الحاكم وأن يتحول إلى جهاز متفرغ لتمجيد الرئيس السابق والحكومة والحزب الحاكم، وها نحن نرى التليفزيون المصرى يدخل رويداً رويداً لحظيرة الإخوان، وما أشبه الليلة بالبارحة.
والإخفاق الأهم فى رأيى هو عدم تنفيذ الرئيس وعده بإعادة التوازن للجنة وضع الدستور، وهو ما قطعه على نفسه كتابة فيما عرف باتفاق «الفيرمونت»، بل تجاوز الأمر إلى التصديق على قانون لتحصين الجمعية وبأثر رجعى، وكذلك وعده بتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف القوى السياسية.
هذا كان ملخصاً لنجاحات وإخفاقات الرئيس محمد مرسى بعد مرور مائة يوم من حكمه لمصر، أرجو كمواطن مصرى أن نتلافى السلبيات التى ذكرناها بطريقة أحسبها موضوعية لأننا لا نتوخى إلا مصلحة وطننا وشعبنا، والله من وراء القصد.