يعلم الرئيس عبدالفتاح السيسى أن رحلته الأوروبية ستشمل أكثر من عاصمة، وسيلتقى فيها بالعشرات من السياسيين والعديد من المراقبين ورجال الصحافة المعنيين بلقاء الرؤساء، وأن تلك الزيارة تحديداً، فضلاً عن كونها الأولى فلن يقابله هناك إلا سؤال واحد بتنويعات مختلفة: «ماذا ترى مصر فى ترتيبات القادم؟ وماذا تنوى أن تفعل، وما قدرتها على الفعل السياسى والحركى على الأرض؟»، هذا القادم المسئول عنه بالطبع خاص بمنطقة الشرق الأوسط بتمدداتها، وفى نفس نطاق العلم الرئاسى المصرى أنه سيجابه هناك مجموعة من الملفات المفتوحة لم يحسم أى طرف أوروبى موقفه منها على الأقل على سبيل الإجابة اليقينية، ولذلك فهذا الطرف الحائر قد يكون متلهفاً لسماع إجابات مصرية أو مشاريع حلول قابلة للعمل عليها، حتى لو على المدى الزمنى القصير.
عناوين تلك الملفات بترتيب الأهمية الأوروبية تتلخص فى «ليبيا، سوريا، أمن الخليج، القضية الفلسطينية، محاصرة الإرهاب» ولأن العناوين الثلاثة الأولى قد تستهلك كل الاهتمام والوقت المتاح، مما يوقع الاثنين الباقيين «كالعادة» فى فخ التناول الشكلى والروتينى، أراد الجانب المصرى فى تحرّك خلاق أن يقلب أولوية الترتيب ويعيد تشكيل درجة الاهتمام، فأدلى الرئيس المصرى بحديث صحفى فى يومه الأول لتلك الزيارة إلى الصحيفة الإيطالية «كريرى ديلا سيرا» جاء فيه نصاً «أنا أقول لكم شيئاً واحداً: نحن مستعدون لإرسال قوات عسكرية إلى دولة فلسطينية، من شأنها مساعدة الشرطة وطمأنة الإسرائيليين حول دورنا الضامن لأمان دولة إسرائيل، ولكن ليس إلى الأبد بطبيعة الحال، فالأمر الضرورى لاستعادة الثقة بين الأطراف هو أن يكون هناك دولة فلسطينية أولاً لإرسال هذه القوات المصرية إليها».
جاء هذا الطرح المصرى القنبلة فى سياق الرد على سؤال حول رأيه فى العملية الاستشهادية التى جرت بالكنيس اليهودى بالقدس الأسبوع الماضى، وربط هذا الطرح بالجهد الرامى لمكافحة الإرهاب، بل أذاع سراً يحتاجه هذا الطرح بشدة فى هذا التوقيت «تحدثت مطولاً مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول اقتراح إرسال القوات المصرية إلى فلسطين لضمان أمن إسرائيل، وطلبت منه الاستجابة بشجاعة لهذا العرض وإلا فلن يصبح قادراً على حل أى شىء، كذلك فقد تحدثت فيه مع الرئيس محمود عباس»، إذن فهذا الطرح المصرى موجود الآن هناك فى قلب الأزمة التى تقف الآن عند نقطة هى الأشد تعقيداً بالنسبة لجميع الأطراف.
راهنت إسرائيل، على هامش زخم ثورات الربيع العربى، بأن تلتهم الضفة الغربية إلى الأبد وتلقى القضية الفلسطينية فى حارة «إمارة غزة الإسلامية» وفشلت، فهذا التحرّك الإسرائيلى الحمساوى كان يضع سيناء رقماً فى المعادلة، فجاءت سيناء و30 يونيو لتكون مسمار النعش، تحرك «أبومازن» لانتزاع شبه اعتراف دولى بدولة فلسطينية، لكسر جدار فولاذى يتم العمل عليه منذ نصف القرن، ويحتاج إلى جهد عربى هو فى أحرج أوقات انشغاله بمهمة أصعب هى الحفاظ على التماسك والاتزان الشخصى لكل دولة عربية على حدة، ومصر لأنها الوحيدة الآن القادرة على النظر خلف الجدار، فقد حدّدت وجدّدت طرح الدولتين وأثبتته فى حديقة قصر القبة يوم خطاب تنصيب الرئيس، وتضع اليوم ما يشبه الأحرف الأولى لخريطة تنفيذ تعلم أن الجانب الأوروبى قد يكون محتاجاً لسماع الإجابة عن سؤال الكيف بعد خطوة السويد وتحلحل فرنسا وتفكير بريطانيا.
القضية الفلسطينية لن تكون بأى حال بعيدة عن ترتيبات المنطقة الجديدة وإسرائيل فى درجة خوف تدّعى عكسه من انقلاب معادلات الإرهاب بالمنطقة، وتغيير اتجاه فوهات البنادق، احتمالاته تتصاعد كل يوم بقدر تطور جاهزية الجيل الجديد من الإرهابيين، مصر التقطت خيوطاً كثيرة حائرة وذهبت إلى أوروبا تتحدث معهم حول القادم بلغة يعرفون مفرداتها، وبإجابات لن يسمعوها سوى من مصر.