«إن تحريف معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان على هيئة أيديولوجية تضفى شرعية على التدخل فى شئون الدول والاعتداء عليها ليس أقل شذوذاً من تحريف الدين لتبرير الإرهاب»
- يعد الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الثانى لمصر بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية فيها، وترتبط مصر مع الاتحاد الأوروبى باتفاق الشراكة المصرية الأوروبية الذى دخل حيز التنفيذ فى يونيو من العام 2004، وفيما يتعلق بالتعاون المالى المقدم من قبل الاتحاد الأوروبى لمصر يتلخص فى مخصصات مالية فى صورة منح يقدمها الاتحاد لدعم قطاعات الصحة والنقل والدعم المباشر للموازنة، وقد بلغت تلك المخصصات حوالى 558 مليون يورو من عام 2007 حتى 2010، ومع أهمية هذه العلاقات فإن هناك حالة من الارتباك قد أصابتها منذ ثورة 25 يناير، فرغم تأكيد جيمس موران سفير الاتحاد الأوروبى بالقاهرة مراراً وتكراراً استمرار العلاقات بين الجانبين على كافة الأصعدة، فإن المشروعات المستمرة بين الجانبين يغلب عليها الطابع الاجتماعى والخدمى مثل برامج خاصة بالتعليم وإدارة المياه والنهوض بالمرأة، كما أنه فى الوقت الذى تؤكد فيه كاترين أشتون الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية من حين لآخر أهمية العلاقات بين الجانبين، شهدت هذه السنوات الأخيرة تخبطاً فى سياسات الاتحاد الأوروبى تجاه مصر وتأجيل أى خطوات جادة فى العلاقات لحجج واهية كان آخرها انتظار وجود برلمان منتخب.
- وبصفة عامة: إن العلاقات الدولية تقوم على مفهوم سياسة المصالح المشتركة التى تحكم العلاقات بين الدول، فليست الأخلاق والعواطف والحقوق هى ما تحكم علاقات البشر فى عالم اليوم، ومن هنا لا يمكن لنا أن نبحث فى مواقف الاتحاد الأوروبى من القضايا العربية دون التطرق إلى دراسة المصالح التى ترتبط بها أوروبا مع عالمنا العربى فى علاقات الشراكة الأورومتوسطية، وقضايا عالمية كبرى مثل الإرهاب والاقتصاد، وهناك مرتكزات أساسية تنطلق منها السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى تجاه الدول العربية وأهمها هو:
- كون إسرائيل تحتل رأس سلم أولويات الخارجية الأوروبية فالسياسة الخارجية الأوروبية تقوم على مبدأ ضمان أمن إسرائيل، وتفوقها فى المنطقة كما الولايات المتحدة فى سياستها، وقد شهدت العلاقات بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل تطوراً سريعاً فى الآونة الأخيرة، حيث ترتبط إسرائيل باتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبى منذ نوفمبر من العام 1995 والتى شكلت منطلقاً لكلا الطرفين لتشجيع اندماج اقتصاد إسرائيل فى إطار الاقتصاد الأوروبى، وقد ذهبت إسرائيل بطموحاتها تلك إلى أبعد من ذلك حينما طلبت رسمياً الانضمام للاتحاد الأوروبى، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، وما يهمنا هنا أن نشير إلى حجم تلك العلاقات التى تربط الطرفين بعضهما البعض للانطلاق منها فى دراسة مواقف الاتحاد الأوروبى من القضايا العربية، التى لن تحيد فى أحد جوانبها عن مواصلة الدعم لإسرائيل، وتنطلق فى علاقاتها مع أى حكومة عربية حالية أو مقبلة من اعتبار إسرائيل طرفاً لا يمكن تجاهله فى المنطقة، والاعتراف الرمزى من قبل بعض الدول الأوروبية مؤخراً بدولة فلسطين لا يعنى تغييراً فى هذه الأولوية بل هو داعم لها.
- كذلك شكلت إمدادات النفط وأمن المتوسط، والملفات المرتبطة به من هجرة وإرهاب، المرتبة الثانية فى سلم أولويات السياسة الخارجية الأوروبية تجاه المنطقة العربية، ولعل السبب فى ذلك يعود وبدرجة كبيرة إلى الأنظمة العربية الحاكمة التى مكنت الاتحاد الأوروبى من إدارة علاقاته مع الكثير من الدول العربية بأقل تكلفة ممكنة، من خلال مجموع الاتفاقيات الأمنية والتفاهمات السرية بين الدول العربية والاتحاد الأوروبى، التى تضمن استمرار قيام الدول العربية بدور الشرطى الحارس للجنوب الأوروبى فى منع انطلاق قوارب الهجرة من سواحل المتوسط نحو جنوب أوروبا، كما ترافقت تلك السياسة مع تأكيد دول الاتحاد أهمية استمرار إمداد دول جنوب أوروبا بالنفط العربى القادم من شمال أفريقيا.
- وقد أضيف إلى هذه القضايا التقليدية أن هناك توافقاً وانسجاماً أوروبياً أمريكياً قد تحقق حول الشرق أوسطية، حيث جرت تسوية عامة بين الطرفين الأمريكى والأوروبى على تقاسم النفوذ فى المنطقة العربية، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال التحالف الدولى الذى خاضته كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى ممثلاً بفرنسا وألمانيا وإيطاليا على ليبيا، ومقارنة ذلك بالمعارضة الأوروبية التى واجهتها الولايات المتحدة عند إعلان حربها على العراق، ما يعتبر دليلاً واضحاً على تبدل المواقف وتغيرها من المواجهة إلى التحالف واقتسام المصالح، وقد تم الإعلان رسمياً عن ذلك من قبل فرنسا، عندما أعلن قصر الإليزيه أن فرنسا ترى أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى تريد الولايات المتحدة أن يتم اعتماده فى قمة الثمانى بات مقبولاً.
- بالإضافة إلى مراعاة رؤية الجالية الإسلامية المقيمة فى دول الاتحاد الأوروبى، ورد فعلها تجاه مواقف الاتحاد من قضايا المنطقة، وهذا العامل له تأثير واضح على مواقف ألمانيا تجاه قضايا الإرهاب، حيث يعيش فيها قرابة خمسة ملايين مسلم يتحكم فى نسبة كبيرة منهم تنظيم الإخوان الدولى.
- وبالتالى فإن دول الاتحاد الأوروبى وسياستها ستنطلق فى أى علاقات مستقبلية مع مصر وعالمنا العربى من نفس سلم الأولويات السابق ولكن بديباجة أكثر لمعاناً فى تأكيدها الوقوف إلى جانب تحقيق الديمقراطية، وضمان حقوق الإنسان فى محاولة منها لاستمالة الإنسان العربى وكسب عطفه تجاه سياستها الخارجية الخادمة لمصالحها وتأكيد ديمقراطيتها المعلنة.