«عفيفى».. قيده شلل الأطفال عن الحركة فتحرر بعقله لعالم الدبلوماسية
«انت إيه اللى جابك هنا بحالتك دى؟»، بتلك الكلمات الاستنكارية، التى حملت تمييزاً مهيناً، وجَّه الأستاذ الجامعى بكلية العلوم حديثه للطالب المعاق حركياً فى إحدى المحاضرات الدراسية العملية «سيكشن» بمعمل الكلية، «نظر نحوى باستغراب، وعدم تقبل لوجودى فى وسط الأصحاء، وكأنه استكتر عليّا إنى أتعلِّم زى أى شخص عادى»، ذلك الموقف المهين لآدمية المعاق فى مصر، أصبح نقطة تحول فى حياة «محمود عفيفى»، فقطع على نفسه عهداً، وألقى كل المشكلات والصعوبات وراء ظهره، ليفرض نفسه، ويقول: «أنا موجود».
«محمود» المقيد حركياً، نتيجة لإصابته بـ«شلل الأطفال»، كان عقله وفكره محرراً، فسرح به فى العنان، ونسى قيود الإعاقة، وظلم المجتمع، وطمح فى النجاح، فلم يكتفِ بالحصول على المؤهل العالى «بكالوريوس العلوم»، فنال «دبلومة فى التحاليل الطبية»، إلا أنه وجد نفسه متحدثاً لبقاً اجتماعياً، لديه القدرة على القيادة، فنمى مهاراته وخبراته بدراسة «إدارة الأعمال»، التى حصل فيها على «الدبلومة» أيضاً، بالإضافة لدراسته للعلاقات الدولية والدبلوماسية وقواعد الإتيكيت والبروتوكول، ليغيِّر مسار حياته من العمل «طبيب تحاليل» إلى العمل فى جهات دولية ودبلوماسية عديدة.
كوَّن «عفيفى» علاقات مع الممثلين الدبلوماسيين للدول والسفراء، لتكون بداية العمل الدبلوماسى كمدير للعلاقات العامة بمشروع التكامل الاقتصادى العربى الأفريقى التابع لجامعة الدولة العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقى، قبل أن يتم ترشيحه فى مارس عام 2014، ليشغل منصب نائب المدير الإقليمى لمنظمة الأمم المتحدة للإعلام للعلاقات الدولية والشئون الدبلوماسية كأول متحدٍ للإعاقة يشغل هذا المنصب الرفيع، وهنا يؤكد «عفيفى» أنه تنافس مع عدد من متحدى الإعاقة فى مصر والخليج العربى والجزائر، إلا أنه كان الأجدر بالمنصب بين كل هؤلاء.
«فى الخارج لا يتعاملون معى على أنى معاق أو سليم، بل يتعاملون مع الكفاءة والقدرة على العطاء»، هكذا يرى «عفيفى» الفارق فى التعامل، ففى مصر يجد أنهم ينظرون له على أنه معاق، أما فى الخارج فينظرون إليه كإنسان طبيعى، مثله مثل غيره من الأسوياء، بل يتفوق عليهم بعمله وكفاءته وعطائه، فهم يتعاملون مع إمكانيات عقلية وليست جسمانية.
يؤكد «عفيفى» أن طموحه لا ينتهى، فبعد تركه مكتب الأمم المتحدة فى أغسطس الماضى، فهو مرشح لمنصب دولى آخر، له علاقة بمجال ذوى الإعاقة، سيكشف عن تفاصيله فى وقت قريب، فهو يرى أن «المعاق» فى مصر بحاجة لأن يعرف حقوقه جيداً وواجباته، وأن توفر له الدولة الإمكانيات، ويعى المجتمع قيمته، ليبدع ويبتكر ويقدم كل ما لديه من قدرات.