بعد 39 عاما.. "يديعوت أحرونوت" تكشف تضليل الصحف الإسرائيلية للشعب أثناء الحرب
دائما ما كانت وسائل الإعلام تميل إلى المبالغة والتهويل في قدرة الجانب الذي تميل له، خاصة في أوقات الحروب، فدائما ما تبالغ وسائل الإعلام الخاصة بدولة ما في قدرات جيشها، مع الأخذ في الاعتبار الرقابة العسكرية المفروضة على الطبعات الصحفية ووسائل الإعلام المختلفة في أوقات الحربية.
"إسقاط 43 طائرة للعدو".. "الجيش العربي يزحف إلى تل أبيب".. مانشيتات وعناوين للصحف القومية خلال فترة حرب 67، على الرغم من اختلاف الواقع تماما عن ما ذكرته الصحف وقتها، فكانت الخسائر تتلو بعضها الواحدة تلو الأخرى وسط حالة ذهول، بسبب اختلاف ما تذكره وسائل الإعلام وما يحدث على أرض الواقع.
ست سنوات فقط تفصل نكسة 67 وانتصار 73، لتتحول بعدها وسائل الإعلام الإسرائيلية وتتخذ نهج وسلوك وسائل الإعلام المصرية في وقت النكسة، لتصل حالة الصدمة والذهول إلى حد اتهام الحكومة الإسرائيلية بالتضليل بعد الكشف عن حقائق الحرب، والخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي في حرب 73.
"جثث الجنود المصريين تطفو في القناة".. "طائراتنا دمرت أمس بطارية صواريخ أرض أرض، وبراج سورية".. "جولدا مائير: لا شك لدينا في الانتصار".. مانشيتات وعناوين مختلفة تصدرت الصحف الإسرائيلية، وسط رقابة عسكرية مشددة مفروضة على طباعة الصحف آنذاك، خوفا من تسرب معلومات تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة خلال المعارك التي دارت في الحرب.
يقول يارون دروكمان، المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إنه قبل 39 عاما كاملة، أُرسل آلاف الجنود للجبهة وقتلوا هناك، إلا أن من كانوا يقبعون خلف الجبهة، ومن كانوا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي نسبيا، لم يكونوا يدرون أي شيء بخصوص ما يجري هناك، فقد سقط مئات الجنود في الجولان وسيناء في الأيام الأولى لحرب "عيد الغفران"، إلا أن الرقابة العسكرية على الصحف، تسببت في عدم نشرها للتقارير الكاملة عن القتلى، وامتلأت بعناوين ومانشيتات مختلفة عن إنجازات الجيش الإسرائيلي على الجبهتين، واكتفت بنشر صورة واحدة لأسير إسرائيلي واحد.[Quote_1]
ويتابع دروكمان: "بعد أسبوع من اندلاع الحرب، نشرت الصحف الإسرائيلية خبرا عن مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين ودفنهم في مقبرة مؤقتة لحين انتهاء المعارك، ولم يُنشر إلا اسم واحد فقط منهم، وهو العقيد أبراهام مندلر، والذي قُتل في سيناء".
في الثامن من أكتوبر من العام نفسه، نشرت "يديعوت" عنوانا رئيسيا لها، يؤكد أن سلاح الجو الإسرائيلي نجح في شن غارة على سيناء والجولان، واستطاع تدمير قواعد صواريخ مصرية وسورية، وقتل العديد من الجنود المصريين، وجاء في متن الخبر، أن المصريين أطلقوا جنودهم إلى ساحة الحرب دون أية تدريبات ولا تنظيم مثلما يفعل الروسيون والصينيون، إلا أن دباباتهم وأسلحتهم لم تنفعهم كثيرا، حيث تكبدوا خسائر فادحة على خط القناة، ولم يستطيعوا تحقيق أية تقدم.[Quote_2]
وفي اليوم الرابع للحرب، بدأت تظهر إلى جانب العناوين الرئيسية التي تؤكد مقتل آلاف الجنود المصريين والسوريين، عناوين أخرى وأخبار عن الجرحى الإسرائيليين. وقال الطبيب العسكري آنذاك، الرائد دكتور فيكتور، إن ما قام به الأطباء والمسعفين لمداواة الجرحى الإسرائيليين كان جيدا جدا، فقد أنقذوا حياة الكثيرين.
وفي اليوم التالي، نُشرت تقارير عن النجاح الإسرائيلي في الجولان السورية، حيث استطاعوا دفع خط وقف إطلاق النيران الذي تحدد عام 1967 إلى الوراء، ووفقا للتقارير المنشورة، فإن طائرات فانتوم الإسرائيلية، ذرعت الخوف في قلب العاصمة السورية دمشق، واستطاعت إسقاط 150 طائرة سورية ومصرية في الأيام الأولى للحرب.
وفي عنوان آخر، جاء أن أحد المصورين الذين رافقوا السفن الإسرائيلية آنذاك لتوثيق كل ما تفعله، عوديد عاجور، استطاع تعديل مدافعها بعد أن تعطلت، واستغل تدريبه كمحارب بحري وأصلح العطل، على الرغم من شكوك طاقم السفينة الذين رافقوه.
في صباح الـ 14 من أكتوبر من العام نفسه، نشرت الصحف الإسرائيلية تقاريرا عن اقتراب سلاح البر الإسرائيلي من العاصمة السورية دمشق، إلى حد وصولها إلى مدى ضربها بالمدافع، أما عن الجبهة في سيناء، فقد قال قائد القيادة الجنوبية آنذاك، شموئيل جونين، إن خسائر المصريين في هذه الحرب مرتفعة جدا، وأكثر من خسائرهم في حرب الأيام الستة "حرب 1967"، والتي كان قد صرح حينها بأن المصريين تكبدوا خسائر تصل إلى آلاف الأرواح وعشرات الدبابات.
ولم تكتف الصحف حينها بسياسة التهويل والمبالغة التي انتهجتها في أخبارها التي تنشرها، وإنما وصل الحد إلى استخدام الكاريكاتيرات المختلفة، لإظهار الرعب الذي لحق بالمصريين والرئيس المصري آنذاك، محمد أنور السادات، فقد صورته صحيفة "يديعوت" بأنه يمسك بسكين صغير، ويلاحقه "ديك"، حيث يهرب منه السادات، كما لو أنهم يحاولون تصويره بأنه يحاول ذبح الديك، إلا أن الديك يزرع الخوف في قلبه، فيهرب السادات منه.[Image_2]
وفي الأيام نفسها، وتحديدا في عيد المظال اليهودي، نشرت الصحف الإسرائيلية أن عدد كبير من الجنود، رغم وصول الحرب إلى ذروتها، رفضوا عدم اتباع شرائع التوراة، فقاموا بوضع أربعة مدافع مقابلة لبعضها البعض، ووضعوا شبكة من فوقها لإقامة "المظلة" التي وردت في شرائع التوراة.
وبمناسبة ما نشرته الصحف آنذاك، كتب الشاعر الإسرائيلي حاييم حابير، مقامة تحت عنوان "الخط الطويل"، تناول فيها المعارك الدائرة في الحرب، وقصص البطولة التي توجت الجيش الإسرائيلي، مؤكدا على أن من يحارب حاليا، هو نفسه ابن من حارب في حرب "الاستقلال"، "حرب 1948"، ليسطر بطولات حربية من جديد.