اطلعتُ على حوار صحفى بسيط ومختصر أجرته الكاتبة والصحفية الأستاذة «حياة يحيى» مع السيدة العظيمة أم الشهيد «أمل مغربى» والدة النقيب محمد عبده، شهيد القوات المسلحة والوطن، الذى نال الشهادة وهو صائم على أرض سيناء فى 2015م، والسيدة أمل تم تكريمها فى الإسكندرية، وهو تكريم مستحق، لأن قدمت للوطن ابنها الغالى بكل صبر وثبات وعزيمة.
لن أتحدث عن شعورها الحى بالتكريم، وإحساسها الطيب وهى ترى الناس ينظرون إليها بكل عزة وفخر، ويضعونها فوق رؤوسهم، لكن أتحدث عن تمكن حب الوطن من قلبها، ورؤيتها البسيطة كأم لتربية الأبناء، وكيف أن هذه التربية تلفظ العنف والفكر الظلامى العقيم الذى دمر البيوت والأسر والأوطان، وأساء إلى الأديان، فكان فكراً مدمراً.
قالت السيدة «أمل» فى حوارها لموقع الجمهورية الثانية: «إن القوات المسلحة هى المؤسسة العسكرية العريقة، لأنها مصنع الرجال والأبطال، وفخرنا الذى ما بعده فخر، ويكفينى فخراً أن الكرامات تحوطنى، وأنى مصرية، ولما أراد الله أن يكون ابنى شهيداً، كانت هذه رحمة و(طبطبة الله)، وقد سألنى بعض الناس: بعد اللى حصل لابنك انتى لسه بتحبى البلد وفى ضهر البلد وبتدافعى عنها؟، فقلتُ لهم: أنا لو ماعملتش كده يبقى فيه حاجة غلط، فإذا كان ابنى قدم روحه ونفسه لبلده، ورآها تستحق تضحيته فطبيعى أن من فداها ابنى بدمه وروحه تبقى غالية عندى».
إنها إجابة صائدة اللؤلؤ، إجابة تمتلئ بالوطنية والقوة والثبات والفهم الراقى والتصور الصحيح المنطقى، ووسام على جبين لكل مصرى معتز بوطنه وبشهدائه الأبرار، وفى نفس الوقت رسالة للمتطرفين ودعاة التدين المغشوش والفتن والتشدد بأن مصر لن تنصاع لفكرهم الظلامى.
أيضاً قالت السيدة الفاضلة رداً على سؤال تنتظره كل البيوت بعد حالة العنف والتسطيح والتهريج التى نشهدها هنا وهناك: كيف قمتِ بتربية محمد وإخوته؟ فقالت: «التربية ليست مجرد توجيهات وكلام، ولكن هناك ثوابت مهمة، نربى أبناءنا على تحرى الحلال، ومحاسبة النفس والضمير، واحترام الكلمة، والعدل، والجمال، ونعاملهم باللين أحياناً والشدة أحياناً للإصلاح والتأديب، ولكن بعطف وحنان، ولا داعى لأن يرى الأبناءُ ضعفنا، لأنه يؤلمهم، ولنساعدهم بالكلمة التى تعطيهم القوة والأمل».
إجابة من أم مصابة مكلومة فى ابنها، تضع روشتة فى التربية وهى فى وقت المصاب غير مهزوزة ولا مضطربة، بل شامخة كالجبل، روشتة تنتهى بنا إلى الاحترام والجمال، وتحصين المجتمع فكرياً ضد كل من ينشغل عن تربية أبنائه؛ فيصبحون قنابل موقوتة تهدد المجتمع، وتفتك بالمسالمين، ثم هى ترسم الخطى السليمة التى يربى الآباءُ أبناءَهم عليها، فيغرسون فيهم قيم الحب والتعاون والانفتاح، وقبول الآخر، ونبذ الكراهية والعنف.
أتذكر فى هذا الحوار البسيط المخلص تلك القيم الرائعة التى تغرسها أم الشهيد فى النفوس، وأقارن ذلك بالشيخ «مبروك عطية» وتعليقه على حادثة مقتل طالبة غير محجبة أمام إحدى الجامعات، حيث قدم خطاباً يُكرِّس للرجعية والتطرف والتزمت والكراهية والتحريض على غير المحجبات، والتدخل فى حياة الناس، فالفارق بين خطاب السيدة «أمل» -وهى معبرة عن كل أم مصرية- وبين خطاب التطرف هو الفارق بين النور والظلام، وبين الحب والبغض، وبين التقدم والتخلف.
وأنهت أم الشهيد حوارها بالوصية: «علّموا الأجيال الصغيرة حب الوطن، لأنه أسمى معانى الحب»، إنها وصية مهمة فى ذكرى 30 يونيو، ذكرى استعادة الوطن من قوى التطرف والظلام.. رحم الله شهداء الوطن.