أيام قليلة مرت على تصدر وسم أو «هاشتاج»: «أنقذوا رقية» كل محركات البحث فى مصر والوطن العربى.. قبل أن يعلن الزملاء فى جريدة «الوطن»، التى أشرف بالكتابة من خلالها، عن نجاحهم فى جمع المبلغ المطلوب لعلاج تلك الطفلة البريئة التى تعانى من مرض ضمور العضلات النادر.. ذلك العلاج الجينى الجديد.. الذى يبلغ سعره أكثر من مليونى دولار.. لا أعتقد أن أحداً من الزملاء فى بداية الحملة قد تخيل أنها ستنجح بهذا الشكل.. ولكن ربما هى إرادة الله والنوايا المخلصة هى السبب الحقيقى أن تصبح الجريدة والزملاء سبباً أن تحيا هذه النفس البريئة..!
التبرعات تمت على مدار الأيام الماضية بعد موافقة وزارة التضامن الاجتماعى على فتح حساب لصالح علاج الطفلة، ليتسابق الجميع فى تقديم المال وليتم الإعلان بعد أقل من عشرة أيام عن بلوغ المبلغ المطلوب..!
العديد من الفنانين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعى قد اشتركوا فى الحملة.. الكل كان يدعو الناس للتبرع بأى مبلغ حتى وإن كان زهيداً.. الكل آمن بالفكرة ودعا لها.. ربما حتى دون أن يعرف طبيعة المرض أو العلاج.. فقط أدرك الجميع أن طفلة مصرية فى محنة وتحتاج للمساعدة.. فهبوا للوقوف بجانبها..!
التجربة تحمل الكثير الذى ينبغى أن نقف أمامه بالتأمل والتحليل والدراسة.. بل وتحمل العديد من الأفكار التى تأتى للأذهان بمجرد التفكير فيما حدث..!
لقد نجح المصريون مرة أخرى فى اختبار جديد للترابط والمحبة بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها الجميع ليس فى مصر وحدها وإنما فى العالم كله.. نجحوا فى إثبات أن المعدن الحقيقى لهذا الشعب لا يظهر إلا فى أوقات الشدة.. وأن الخير فيه إلى قيام الساعة..!
لقد استطاعوا أن يجمعوا ما تجاوز الخمسة والأربعين مليوناً من الجنيهات فى أيام قليلة لعلاج تلك الطفلة دون أن يعرفوها من الأساس.. ودون أن يحمل أى متبرع مصلحة شخصية لهذا التبرع..!
التجربة وإن أفصحت عن الكثير من الخصال الطيبة التى ما زالت متأصلة بين جنبات هذا المجتمع.. فإنها فى اعتقادى تفتح الباب أمام فكرة أهم بكثير.. وهى أن توافر الهدف وحده لا يكفى للنجاح.. وأن الثقة فى مفجر الحملة، وهى جريدة «الوطن»، كانت هى الدافع الأساسى ليصدق الناس قصة الطفلة.. ويتفاعلوا مع أزمتها للدرجة التى أدت إلى النجاح فى هذا الوقت القصير..!
فى اعتقادى لا ينبغى أن يمر ما حدث دون أن يتم البناء عليه.. هناك طاقة كبيرة للخير قد ظهرت بين جنبات هذا المجتمع الأصيل.. فلماذا لا يتم استخدامها بشكل جيد؟!
لماذا لا تصبح «رقية» نموذجاً لحالات مماثلة؟.. لا أتحدث عن مرض ضمور العضلات وحده وإنما غيره من الأمراض المزمنة التى تحتاج إلى مبالغ كبيرة للعلاج لا يقدر عليها الأهل فى أحيان كثيرة.. أعرف أن هناك من سيجيب بأن الدولة تتكفل بعلاج تلك الأمراض عن طريق التأمين الصحى وغيره من السبل.. ولكن من قال إن المجتمع المدنى لا يسهم فى هذه الحالات فى العالم كله؟!
إن حملة «رقية» ربما تكون السبب أن يعود للمؤسسات الصحفية دورها الخدمى الذى يجب ألا تتنازل عنه.. أن تعود صفحة «ليلة القدر» التى اشتهرت فى «أخبار اليوم» قديماً للنور من جديد..!
إن النسيج المصرى يحمل الكثير من الخير الذى ينبغى توظيفه وتعظيم الاستفادة منه.. فقط يحتاج إلى الثقة والإرادة.. وقتها يتغير شكل الحياة.. أو هكذا أعتقد!