لم أجد فى جزيرة «سانتورينى» اليونانية شيئاً مميزاً أكثر من ألوان المبانى، الأبيض والأزرق، حتى لو كانت الخدمات السياحية متقدمة. رحلة إلى مدينة دهب المصرية تتفوق على تلك الجزيرة فى عدة نواحٍ. كما لا أفهم ما هو المبهر فى «غرب سهيل» النوبية أكثر من ألوانها، حتى لو أخذنا فى الاعتبار طيبة أهلنا فى النوبة.. الجمال فى كل من الجزيرة والقرية نابع بالأساس من ألوانهما.
تميزت مصر عبر تاريخها بطرز معمارية فريدة للمدن المختلفة، ففى القاهرة على سبيل كانت لدينا أشياءً أيقونية مثل النوافذ كبيرة الحجم والأسقف عالية الارتفاع. لكن هذا التقدم اللافت يقابله الآن تقادم ملحوظ، المبانى المصرية عموماً أصبحت قديمة، حتى مع حركة العمران الكبيرة الحادثة الآن.. تدهور الشكل المعمارى فى معظم المدن المصرية نتيجة سنوات من عدم الاهتمام بالمقاربات الجمالية فى البناء مع عشوائية عملية البناء على مدى عقود.
تستهدف منظومة التراخيص الجديدة للبناء وضع مجموعة من الاشتراطات بهدف تنظيم حركة البناء، ومحاربة المخالفات والعشوائية. وضعت تلك المنظومة الجديدة لتراخيص البناء الجديدة مجموعة من الشروط والتفاصيل الإجرائية لعملية إصدار رخص البناء، منها أن يُخير صاحب العقار بين عدد من النماذج لواجهة العقار، بما يتضمنه ذلك من ألوان وتصميمات، ويختار المواطن الشكل الذى يريد أن يقوم بتنفيذه. وهنا مطلوب أن يكون هناك دور للفنانين التشكيليين والمعماريين البارزين، بحيث يمثلون فى اللجان المسئولة عن تلك الخطوة، لكى نضمن أن المبانى الجديدة جميلة فى ذاتها، من مقاربات فنية، فضلاً عن اتساقها مع إطارها المحيط فى الحى أو المدينة. وهذا سيضمن وجود جماليات الفن فى المدن الجديدة، بالإضافة إلى التحسن التدريجى فى المدن المختلفة.
تتنبأ نظرية «النوافذ المكسورة»، فى علم الجريمة، بأن العيوب فى البيئة تولد شعوراً بأن القانون غير موجود. لذلك فمن المرجح أن تحدث سلوكيات التخريب، وهذا تماماً ما يحدث فى المناطق العشوائية. فالفوضى العمرانية، تبعاً للنظرية، تنقل فكرة التدهور وعدم الاهتمام، ما يخلق شعوراً بغياب القانون والقواعد.
طُورت هذه النظرية على مستوى علم الجريمة من قِبل كل من «ويلسون» و«كيلينج» عام 1982 استناداً إلى تجربة شهيرة للغاية للدكتور «فيليب زيمباردو»، عالم النفس الأمريكى والأستاذ المحاضر فى جامعة ستانفورد الأمريكية، والمعروفة باسم تجربة «سجن ستانفورد». وتوصل العلم لاحقاً إلى السبب الإكلينيكى المفسر لهذه النظرية، حيث إن التلوث البصرى يلعب دوراً سلبياً كبيراً فى حياة الإنسان.
من التطبيقات الدولية المهمة لتلك النظرية ما حدث فى مدينة «نيويورك» الأمريكية، والتى كان مترو الأنفاق بها، فى ثمانينات القرن الماضى، من أكثر الأماكن خطورة فى المدينة. فتم الأخذ بنظرية «النوافذ المكسورة»، فبدأت سلطات المدينة فى إصلاح الأضرار التى كانت فى محطات المترو، وتمت إزالة أى مظاهر للتلوث البصرى، مع مسح الكتابة على الجدران. وكانت النتيجة أن المترو أصبح مكاناً آمناً، وانخفضت بالفعل نسبة الجريمة فى المدينة.