أولاها: طيور إبراهيم، «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً»، ثانيتها: موت «عزير»، «فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ»، وثالثتها: أهل الكهف، «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا».
فقال تعالى فى سورة البقرة «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِى الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
ذكروا لسؤال إبراهيم، عليه السلام، أسباباً، منها: أنه لما قال للنمرود (ربى الذى يحيى ويميت)، أحب أن يترقى من علم اليقين فى ذلك إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال (رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى)، وعن هذه الآية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرنى كيف تحيى الموتى؟ قال: أولم تؤمن، قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبى» وليس المراد هاهنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف، وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبة، إحداها، وقوله (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) اختلف المفسرون فى هذه الأربعة: ما هى؟ وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان فى ذلك متهم لنص عليه القرآن، قال: هى الغرنوق، والطاووس، والديك، والحمامة، وعنه أيضاً: أنه أخذ وزاً، ورألاً وهو فرخ النعام، وديكاً، وطاووساً، وكانت حمامة، وغراباً، وقوله (فصرهن إليك) أى: قطعهن، قال، أوثقهن، فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءاً، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن فى بعض، ثم جزأهن أجزاء، وجعل على كل جبل منهن جزءاً، قيل أربعة أجبل، وقيل سبعة، وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن، فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وآتينه يمشين سعياً ليكون أبلغ له فى الرؤية التى سألها، وجعل كل طائر يجىء ليأخذ رأسه الذى فى يد إبراهيم، عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته، ولهذا قال (واعلم أن الله عزيز حكيم)، أى: عزيز لا يغلبه شىء، ولا يمتنع منه شىء، وما شاء كان بلا ممانع، لأنه العظيم القاهر لكل شىء، حكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، وقوله (ولكن ليطمئن قلبى)، وقال ما فى القرآن آية أرجى عندى منها، وقال: اتعد عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص أن يجتمعا، قال ونحن شببة، فقال أحدهما لصاحبه: أى آية فى كتاب الله أرجى لهذه الأمة؟ فقال عبدالله بن عمرو: قول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر الآية 53]، فقال ابن عباس: أما إن كنت تقول: إنها، وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم (رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى)، أى آية فى القرآن أرجى عندك؟ فقال عبدالله بن عمرو: قول الله عز وجل (يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية، فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول الله (وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى)، فرضى من إبراهيم قوله (بلى)، قال فهذا لما يعترض فى النفوس ويوسوس به الشيطان.