«إحنا بنشتغل بأقل كمية إنتاج ممكن نفتح بها المصنع علشان مفيش مكسب ولازم نفضل فى السوق، المشكلة إن الخامات سعرها ارتفع وبقى فيها ندرة، فكرت كتير أقفل المصنع وأحط الفلوس فى البنك وهيكون أكسب لى ولكن فى رقبتى ناس كتير مقدرش أستغنى عنهم حتى لو كان البنك هيكسبنى أكتر»، حينما يكتب هذه الكلمات أحد أكبر صناع الأحذية المصريين كان لا بد أن ينزعج منها كل مواطن غيور على بلده؛ لأن كلامه لا ينطبق فقط على مجال ناجح ومستقر مثل الجلود، بل هو مشكلة كبيرة تواجه كل المنتجين الصناع والزراع، وهذا الكلام كتبناه كثيراً من قبل، ولا مانع من كتابته تانى وتالت وعاشر، فمن الواضح أن توجيهات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأيضاً الوزراء بدعم المنتجين لم يستوعبها القيادات الوسطى وصغار الموظفين الذين يضعون العراقيل أمام الصناع والزراع، بل ويتسببون فى خراب بيوتهم، وفى النهاية الذى يدفع الثمن هو الوطن والمواطن.
العالم يعيش فى رعب بسبب الأزمات المتكررة سواء الروسية - الأوكرانية، والأمريكية - الصينية، أو جائحة كورونا، كما أنه من المتوقع أن يشهد سنوات أكثر صعوبة قادمة بسبب التغيرات المناخية وارتفاع أسعار الطاقة، كل هذا سوف يؤدى إلى نقص فى الغذاء وارتفاع أسعاره.
الخلاصة أن العالم لم يعد مستقراً، سواء بسبب الظروف الطبيعية أو الأطماع الاستعمارية والصراعات السياسية، كل هذا يجعلنا نفكر من اليوم قبل الغد فى تأمين غذائنا، والاعتماد على أنفسنا وتشجيع الإنتاج المحلى، لأنه فى حالة حدوث الأزمات، فإن الدول التى لديها فائض فى الإنتاج تتوقف عن تصديره حتى توفره أولاً لشعوبها، ثم تغلق أبوابها على نفسها.
كتبت قبل ذلك كثيراً وطالبت بإنشاء المجلس الأعلى للإنتاج، أو جهاز للأمن الغذائى برئاسة السيد رئيس الجمهورية، وعضوية الخبراء من رجال الإنتاج الحقيقيين فى الصناعة والزراعة، والذين أيديهم فى النار، حيث يعلمون بالمشكلات التى تواجههم وحلولها.
فحماية المنتجين ورعايتهم قضية أمن قومى، والحماية ليست فقط بالكلام، ولكن بإجراءات حقيقية على أرض الواقع، وبتحويل كل الإنفاق إلى دعم المنتجين والمشروعات الإنتاجية والأهم بتغيير فكر بعض المسئولين من الجباية للإنتاج.
أى مُنتج سواء كان زراعياً أو صناعياً كبيراً أو صغيراً يحتاج من دولته دعم مستلزمات الإنتاج وتوفيرها بأسعار مخفّضة، ولو أمكن مجاناً، لأن دعم الإنتاج هو دعم للشعب كله يتمثل فى إنتاج الغذاء وتوفيره بأسعار مناسبة. كما يحتاج المُنتج لتسويق منتجاته بأسعار عادلة تحقّق له هامش ربح يضمن استمراره وعدم الخسارة، وبالتالى التعثر والخروج من سوق الإنتاج.
ولأننا نعشق تراب هذا الوطن، فإننا نطرح آراءنا بكل صراحة، وليست لنا مصلحة سوى الصالح العام والارتقاء ببلدنا الذى لا نمتلك غيره.
المنتجون والمصدرون فى بلدى ما زالوا يعانون من قرارات اقتصادية أحياناً غير مدروسة ومن أعباء كثيرة تجعل بعضهم يتعثر أو يتّجه للمشروعات الاستهلاكية أو تجميد أموالهم فى العقارات والبنوك؛ لأن الذى يفكر فى إقامة مشروع إنتاجى يتعرّض لمشكلات كثيرة.
الفوائد التى تعود على البلد من الإنتاج أضعاف أضعاف ما تتحصّل عليه من الضرائب على مستلزمات الإنتاج، وبحسبة بسيطة فإن عدم دعم المنتجين وحمايتهم يؤدى إلى خروج بعضهم من السوق، وبالتالى نفقد فرص عمل كثيرة، وأيضاً يؤدى عجز الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار الذى يتسبّب فى معاناة المواطنين وتضطر الدولة إلى فتح باب الاستيراد، ما يكلفها أموالاً طائلة، وبالتالى يتم استنزاف الاحتياطى الأجنبى.
كما أن مصر لديها طاقة إنتاجية كبيرة مهدرة غير مستغلة فى آلاف المصانع المغلقة أو التى تعمل بأقل من إمكانياتها وتحتاج إلى تطوير وتجديد خطوط الإنتاج ومشكلاتها الأساسية فى الموارد المالية، ولذلك فإن رفع كفاءة هذه المصانع وإعادة تشغيل المتعثر منها يحقق نقلة كبيرة وسريعة يشعر بها المواطن فى القريب العاجل.
المُنتج فى مصر يخسر والتاجر يكسب والمواطن يدفع الثمن، هذه معادلة غريبة لا بد من إيجاد حلول لها.
ختاماً، إعفاء مستلزمات الإنتاج من كل الأعباء أو منحها مجاناً لمدة عام فقط مع إزالة جميع العراقيل أمام المنتجين ورفع كفاءة المصانع الحالية سوف تجتاز مصر الأزمة الحالية سريعاً، بل وتنتقل إلى مكانة بعيدة على طريق التنمية.
ماذا تقدم البنوك للمنتجين والمصدرين، وكيف يستفيد البلد من الأموال المكدسة فى البنوك؟ سؤال يحتاج إلى مقال جديد، والله الموفق والمستعان.