فى منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، يوم 29 يوليو 2022م، يطرح الأستاذ جمال زايدة السؤال التالى: ما تفسير «المتعة» فى الزواج؟ وهل يجوز اختصار هذه المؤسسة المقدّسة «الأسرة» فى مفهوم المتعة، والرجل عليه أن يدفع مقابل «المتعة»؟ ثم يضيف متسائلاً ومتعجباً: طب ده يفرق إيه عن البيوت إياها اللى كانت فى مصر قبل 48؟ وفى منشور آخر فى اليوم ذاته، يتساءل عن السبب الذى جعل الحركة النسائية واليسار تجاهلوا الاشتباك مع مفهوم الدفع للمرأة مقابل المتعة.
والواقع أن الزواج فى حقيقته وفى جوهره وفحواه هو «السكن والمودة والرحمة». ولعل ذلك يبدو جلياً فى قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، (سورة الروم: الآية الحادية والعشرون). وأهم ما فى الزواج السعيد أن تقر به الأعين. يقول المولى عز وجل: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً» (سورة الفرقان: الآية الرابعة والسبعون).
ومع ذلك، فإن البعض لا يرى فى الزواج سوى المتعة والاستمتاع، بل إن هذه النظرة تبدو جلية فى بعض تشريعات الأحوال الشخصية العربية، فعلى سبيل المثال، وفى تعريف «الزواج»، ورد فى قانون الأحوال الشخصية بإحدى الدول العربية أنه «عقد يفيد حل استمتاع أحد الزوجين بالآخر شرعاً، غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة ورحمة». بل إن النص لم يذكر استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإنما يشير إلى أن العقد يفيد حل استمتاع «أحد الزوجين» بالآخر. ورغم أن ذلك ليس مقصوداً بطبيعة الحال، إلا أن حسن الصياغة التشريعية يقتضى المبادرة إلى تعديل مثل هذا النص.
وقد أحسن نظام الأحوال الشخصية الجديد فى المملكة العربية السعودية، بنصه -فى المادة السادسة منه- على أن «الزواج عقد بأركان وشروط، يرتب حقوقاً وواجبات بين الزوجين، غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة يرعاها الزوجان بمودة ورحمة». وهكذا، جاء نص المادة خلواً من أدنى إشارة إلى استمتاع أحد الزوجين بالآخر. وفى الاتجاه ذاته، جاء نص المادة الرابعة من قانون الأحوال الشخصية العمانى لسنة 1997م، بنصها على أن «الزواج عقد شرعى، بين رجل وامرأة، غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة ورحمة». وفى الإطار ذاته، تنص المادة الخامسة من قانون الأسرة البحرينى لسنة 2017م على أن «الزواج عقد شرعى بين رجل وامرأة لتكوين أسرة بشروط وأركان مع انتفاء الموانع، غايته السكن والإحصان، تترتب عليه حقوق وواجبات شرعية متبادلة».
ومن ناحية أخرى، تكاد تجمع تشريعات الأحوال الشخصية على أن المهر أو الصداق هو أحد شروط الزواج. وفى تعريف المهر، ينعقد إجماع التشريعات العربية على أنه مال يتم دفعه من الزوج للزوجة. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الحادية والعشرين من قانون الأحوال الشخصية العمانى: «الصداق: هو ما يبذله الزوج من مال بقصد الزواج». وفى الاتجاه ذاته، تنص المادة السادسة والثلاثون من نظام الأحوال الشخصية السعودى على أن «المهر هو المال الذى يدفعه الرجل للمرأة بسبب عقد الزواج». وفى الإطار ذاته، ووفقاً للمادة السابعة والثلاثين من قانون الأسرة القطرى لسنة 2006م، «المهر هو ما يبذله الزوج من مال بقصد الزواج. وكل ما صح التزامه شرعاً صلح أن يكون مهراً». واشترط المشرع الإماراتى فى هذا المال أن يكون متقوماً، بنصه على أن «المهر هو ما يقدمه الزوج من مال متقوم بقصد الزواج ولا حد لأقله، ويخضع أكثره لقانون تحديد المهور» (المادة التاسعة والأربعون من القانون الاتحادى رقم 28 لسنة 2005م). وقد أحسن المشرع الإماراتى صنعاً بالنص على أنه لا يوجد حد أدنى للمهر، كما أحسن بوضع حد أقصى للمهر. وفى هذا الصدد، نرى من الملائم الإشارة إلى ما ورد فى إحدى الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية، بتأكيدها أن: (السنَّة المطهرة دعت إلى تيسير الزواج والحض عليه عند الاستطاعة بكل وسيلة ممكنة، وكان الصدر الأول من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يتزوجون ومهر الزوجة أن يعلمها آيات من القرآن الكريم؛ يقول عليه الصلاة والسلام لرجل أراد الزواج: «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» رواه النسائى، فتعليم بعض آيات كان هو المهر؛ فمن الواجب عدم المغالاة فى المهر، وأن ييسر الأب لبناته الزواج بكل السبل إذا وجد الزوج الصالح؛ حتى نحافظ على شبابنا وفتياتنا من الانحراف، وقد قدم لنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، النصيحة الشريفة بقوله: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فى الأَرْضِ وَفَسَادٌ» رواه الترمذى.
إن هذه النصيحة من جوامع كلمه، صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الواجب أن تكون شعار كل أب فى موضوع الزواج، ويجب العمل والتمسك بها للتغلب على هذه المشكلة الاجتماعية وغلاء المهور) (راجع: الفتوى الصادرة بتاريخ 13 أكتوبر 1997م، المفتى فضيلة الدكتور نصر فريد واصل، عنوان الفتوى «الغلو فى المهر وآثاره»). فليس بشرط إذاً أن يكون المهر مالاً. وفى زواج سيدنا موسى من بنت نبى الله شعيب، كان المهر هو أن يعمل سيدنا موسى عند والدها لمدة ثمانى سنوات، وإن أراد الزيادة فلعشر سنوات. ولذلك، فقد أحسن المشرع البحرينى بنصه على أن «الصداق ما يبذله الرجل من مال أو منفعة بقصد الزواج، ويُذكر فى العقد» (المادة الثلاثون من قانون الأسرة لسنة 2017م). والبين من هذا النص أن الصداق يجوز أن يكون مالاً، ويجوز أن يكون منفعة. وتوسع المشرع الكويتى بشكل أكبر، فنص على أن «كل ما صح التزامه شرعاً يصلح أن يكون مهراً، مالاً كان، أو عملاً، أو منفعة، مما لا ينافى قوامة الزوج» (المادة الرابعة والخمسون من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1984م). وهذه توسعة محمودة، لا شك فى ذلك.