إنها نهاية العام.. تلك الأيام التى نتذكر فيها كل ما مر بنا من أحداث.. وتنشط الاستفتاءات الصحفية والتليفزيونية.. لتحدد الفنان الأكثر شهرة.. والحدث الأعمق تأثيراً.. إنها الأيام التى نستعيد فيها ذكرياتنا السعيدة والأليمة بنفس الحماس.. لنتذكر كيف مرت علينا أيامنا السابقة.. ولنتمنى أن يأتى المستقبل بالأفضل.. ولا شك أن هذا العام لم يكن تقليدياً.. بل قد يكون الأكثر صعوبة فى تاريخ هذا الوادى الطيب.. فقد عانينا خلاله من الكثير من الأزمات والمحن.. ما بين أزمة الكهرباء وركود السياحة وتذبذب الاقتصاد.. وعدد غير محدود من الانفجارات للقنابل بدائية الصنع على الأرصفة وفوق غصون الأشجار.. بالإضافة إلى أكثر من حادث إرهابى فقدنا فيه عدداً غير قليل من جنودنا الأطهار.. ولهذا فليرحل هذا العام غير مأسوف عليه.. ولكن نهاية العام تختلف هذه المرة.. فالوطن -بل وربما العالم أجمع- كان ينتظر الحدث الأهم الذى كان يفترض أن يغير الكثير من وجه الحضارة الإنسانية.. لقد كنا جميعاً ننتظر نتائج الجهاز الأشهر فى تاريخ الطب.. الذى صرح مخترعه ومعاونوه بأنه سيكون الكنز الاستراتيجى لمصر.. الجميع ينتظر الإعلان عن بدء التشغيل الفعلى لجهاز العلاج من فيروس سى.. ذلك الوحش الأخطر والأشهر الذى يلتهم أكباد المصريين من عقود كثيرة.. الكل ينتظر أن ينتصر الجهاز الذى حظى بانتقاد الغالبية العظمى من العلماء «محدودى الرؤية» الذين كان على رأسهم عالم متواضع بسيط يدعى «عصام حجى».. لم تظهر نتائج الجهاز فى موعدها.. وسط تسريبات كثيرة بأن تلك النتائج لن تظهر من الأساس.. أو أن النتائج التى ظهرت كانت مخيبة للآمال لدرجة تجعل الإعلان عنها يستدعى حمرة الخجل.. ولذلك فضل صانعوه ألا تظهر النتائج أصلاً.. والواقع أن الفشل فى تجربة علمية أمر لا يستوجب الخجل.. طالما تم اتباع الأسس العلمية السليمة فى إجرائها.. بل إنه قد يكون دافعاً للبحث عن الأخطاء وإصلاحها.. بل وقد يحتاج الأمر لتكرار التجربة مرة أخرى.. حتى نصل إلى النجاح المطلوب.. فهكذا خلق الله العلم.. وهكذا قامت الحضارات.
ولكن المشكلة هذه المرة لا تكمن فى الفشل.. المشكلة كانت فى تصريحات السادة المسئولين عن هذا الجهاز.. الذين احتموا بأعرق مؤسسة مصرية.. وهى القوات المسلحة.. وتاجروا باسمها.. بل واتهموا منتقديهم بأنهم يعادون المؤسسة نفسها.. المشكلة هذه المرة تكمن فى آمال المرضى وأحلامهم فى التخلص من آلامهم.. التى تلاعب بها هؤلاء «السادة» وأعوانهم.. المشكلة كانت فى بعض الأطباء من ذوى الأسماء المرموقة فى عالم أمراض الكبد.. الذين استغلوا هذا الجهاز ليحصلوا على شهرة إعلامية لا يستحقونها.. ويبيعوا حلماً لمريض كف عن تعاطى «الإنترفيرون» أو السوفالدى -العقاران اللذان ثبتت فعاليتهما- فى انتظار العلاج بلا ألم أو إرهاق. سيدى الرئيس.. يجب ألا يمر الأمر مرور الكرام.. يجب ألا تترك المسئول عن العبث بحلم مريض بائس انتظر العلاج فلم يجده.. يجب أن يحاسب كل من صرح بثقة فى وسائل الإعلام بأن العلاج فعال وآمن.. فلتتم محاكمتهم بتهمة الخداع.. فإن لم يكن فى القانون ما يمكن محاسبتهم به.. فلنستحدث قانوناً جديداً.. وليكونوا عبرة لغيرهم.. وليعلم الجميع.. أن آلام المصريين ليست سلعة.. وأن اسم المؤسسة العسكرية لا يصلح للاتجار.