فى كتابه المهم «صناعة الآلهة.. دراسة فى أساليب الدعاية للقادة السياسيين» يقول صديقنا الكاتب المثقف محمد فتحى يونس، المدرس المساعد بـ«آداب المنصورة»: «تقترب عملية الدعاية للقادة السياسيين من عمليات السحر الفولكلورية، حيث يتم بمقتضاها السيطرة على عقول أتباع كثر عبر أساليب وتكتيكات متنوعة يشترك فيها القائد السياسى كساحر، وعبر سحرة مساندين له يتجمعون على مسرح الحكم أملاً فى امتلاك السلطة لأطول فترة، يتحول خلالها القائد إلى إله يونانى ينسب الأتباع إليه الخوارق إلى أن تنتهى الحفلة باكتشاف الخديعة».
نحن أمام نموذجين من الإخوان، أحدهما يصنع الفرعون، والآخر يصنع الحاكم البشر الذى يخطئ ويصيب، النموذج الأول: صبحى صالح، والثانى: حلمى الجزار.
صبحى صالح ومعه جريدة «الحرية والعدالة» ومعظم الإخوان وبعض مستشارى الرئيس، خاصة القانونيين منهم، يمثلون البذرة الأولى لإعادة صناعة الفرعون الجديد، وصبحى هنا ليس الشخص فقط، بل مدرسة يصلح أن نطلق عليها «مدرسة الصبحيين والبرنسيين» نسبة لصبحى صالح وحسن البرنس وانضم إليهما عصام العريان.
وهناك مدرسة الدكتور حلمى الجزار، مدرسة شديدة التخلق مع المعارض، يميزها الهدوء والذوق والأدب والمصالحة والرغبة فى شراكة وطنية حقيقية.
إن أحداً لا يستطيع خداع المصريين بتقبيح الحاكم طالما رأوا أحوالهم تحسنت، كما لا أحد يستطيع منع انتقاد الرئيس بل والسخرية منه طالما أن المواطن لم يشعر بتغيير «حقيقى»، ويراجع هنا كتاب «إهانة الرئيس» للأستاذ حمدى الأسيوطى.
إن «الصبحيين» نسبة لصبحى صالح يصنعون الفرعون بالتطبيل له أحسن أم أساء، وهم بذلك يشوهون صورته، ويخدعونه وما يخدعون إلا أنفسهم، ويضللونه عن رؤية الواقع بشفافية، زعماً منهم أنهم بذلك يحافظون عليه وعلى التنظيم، كلا.. إنهم يسيرون على خطى سمير رجب فى جريدتى «مايو» و«الجمهورية»، لا على خطى سيدنا عمر بن الخطاب، وأما «الحلميون» نسبة لحلمى الجزار فهم الأنفع للرئيس بل وللوطن، لأنهم يقولون له: أخطأتَ إذا أخطأ، وأصبتَ إلى أصاب، وليسوا مُطبِّلين لكل تصرفاته.
مشكلة «الصبحيين» وشباب الإخوان أنهم أخذوا قراراً مسبقاً لا رجعة فيه للقتال المستميت دفاعاً عن كل تصرفات مرسى، فيكفى أن القرار صحيح لأنه صادر من مرسى، وليس صحيحاً لذاته، ولو سألتهم: ما الخطأ الذى ارتكبه مرسى طوال المائة يوم؟ لن تجد إجابة، إنه لا يخطئ، وإن قادتهم لا يخطئون، وقد كتبت فى 15/5/2012 مقالاً عنوانه: «دلالة قول شباب الإخوان.. الإخوة فى مكتب الإرشاد يعرفون ما لا نعرف».
هذه النفسية التى ينميها صبحى صالح ومدرسته ليست فقط تصنع طاغية جديداً، ولكنها تصنع إخوانياً صاحب نفسية محتقنة شديدة الارتباك والتحرش تجاه المعارض، وهو ما تمثل فى قيام بعض الشباب الإخوان باقتحام منصة التيار الشعبى بسبب هتاف: «يسقط حكم المرشد»، وأراهن على أن الموجودين فى أحداث التحرير فى الجمعة الماضى ليسوا تربية حلمى الجزار ولا جمال نصار ولا ياسر على، بل تربية صبحى صالح والبرنس والعريان، بقطع النظر عن رأينا فى الأحداث نفسها.
إن ثمة أهمية للتأكيد على نقطتين:
1- إن صناعة الفرعون يغزيها «الصبحيون»، وإن صناعة الحاكم العادل يدعمها «الحلميون»، وإن الصوت الأعلى تأثيراً بين «الجماعة» صوت «الصبحيين».
2- إن الوقوف ضد مرسى وانتقاده على طول الخط بطريقة تفقد قيم الموضوعية والحيادية، وإظهار العداء الشديد لكل ما يصدر منه، وتشويه إنجازاته وإحباطه إعلامياً تجعل مرسى يفقد الثقة فى المعارضة ويقول: «كده مش عاجب وكده مش عاجب يبقى سيبك منهم»، وبالتالى فهذا النوع من المعارضة يسهم مع المُطَبِّلين فى صناعة الفرعون.