فى عام ٢٠٠٩ اعتقلت الحكومة السودانية الصحفية لبنى الحسينى بتهمة ارتداء البنطلون، وكانت عقوبة هذه التهمة هى الجلد، وبضغوط دولية واسعة استبدلت العقوبة بالغرامة، وقد رفضت «لبنى» دفعها، ثم نجحت فى الهروب من السودان ومنها إلى فرنسا التى عرضت عليها حق اللجوء السياسى، حتى انضمت للعمل بالأمم المتحدة.
لم تكن واقعة لبنى الحسين هى الأولى أو الأخيرة فى دول الشرق، لكنها تكررت كثيراً، وعادت للأذهان مرة أخرى بمقتل الشابة الإيرانية مهسا أمينى، التى تكاد وفاتها تفجر ثورة جديدة فى إيران، حيث اعتقلتها «شرطة الأخلاق»، تحت زعم ارتدائها ملابس تخرق قواعد الحجاب، ثم ادعت أن وفاتها نتيجة هبوط فى القلب، وهو ما نفته أسرة الفتاة.
كما نشرت مجموعة إيران إنترناشونال أشعة مقطعية توضح كسراً بالجانب الأيمن من الجمجمة ناتجاً عن ضربة مباشرة بالرأس، وقد انطلقت شرارة الاحتجاجات فى إيران فخرجت المظاهرات تندد بالديكتاتور، وخلعت فتيات وسيدات غطاء الرأس، وأخريات قمن بقص شعرهن، وأصدرت ثمانية أحزاب إيرانية فى المنفى بياناً وصفت فيه موت «مهسا» بأنه بداية النهاية للنظام الإيرانى.
من المؤسف أن تلك الحالات وغيرها تقع فى مجتمعات من المفترض أنها مجتمعات إسلامية، بل وتغالى فى إظهار إسلامها، وهو ما يعطى انطباعاً كاذباً عن علاقة الدين الإسلامى بالمرأة، ولا يمكن لمسلم دينه صحيح أن يقبل باستمرار تلك الصورة المشوهة عن الدين الإسلامى التى يصدرها هؤلاء ممن يسيئون للدين فى بلاد ترفع شعار الإسلام، والدين برىء من هؤلاء، ولا يمكن لأحد فى العالم الغربى بعد كل تلك الجرائم أن يصدق أن تلك الأفعال لا تمت للدين الإسلامى بصلة، بل إن الدين الإسلامى كرَّم المرأة كما لم تُكرَّم من قبله.
الكارثة الحقيقية أن مثل هذه الدول، سواء فى السودان أو إيران أو أفغانستان، لا تدرك خطورة ما تفعل، ولا تقدم على جوانب أخرى ما يدل على تطور أو حداثة أو تقدم فى المجتمع، لكنها كلها مجتمعات منغلقة عبارة عن سجون كبيرة، يقتل فيها الناس والحياة والعلم والعقل والروح، لتتحول إلى مجتمعات مشوهة والعالم الإسلامى كله عاجز عن تحسين صورته، أضف إلى ذلك ما يتم تصديره من أعمال إرهابية تلصق بالدين الإسلامى، كما لو كانت هناك مؤامرة كونية على هذا الدين.
وضع المرأة فى أى مجتمع هو مقياس لحضارة هذا المجتمع، وحتى على مستوى الأشخاص، وضع المرأة فى الأسرة والعائلة يعكس مدى تحضر رجال الأسرة والعائلة، أما هذا الخلط الواقع على مستوى الدول والأفراد بأن تطبيق الدين يبدأ من تقييد النساء والتنكيل بهن، فهذا هو التطرف بعينه، ولا أدرى كيف لا يفهمون أن الله يمنح للبشر حرية العقيدة: «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ثم يأتى بشر ويعطى نفسه الحق أن يزايد على الله جل علاه فيما هو أدنى كثيراً من العقيدة؟!
هؤلاء ليسوا بمسلمين ولا يعرفون من الدين سوى ما أخذوه من المتطرفين، والدين برىء منهم وممن سكت على ما يقترفون فى حق الدين.