"قرار" يختصر سنوات العذاب والإحساس بالقهر و الألم إنتظارا لوجود "متبرع" .. قرار يختصر المسافات الطويلة من مصر إلى الصين حيث توجد أكبر نسبة جراحات "نقل أعضاء" فى بلد يحصل على أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام وضحايا الحوادث ليوفر البديل للمحتاج .
قرار يحسم الجدل وينهى الصراع فى سوق الفتاى بين الحل والتحريم ، ويحذف من قاموس حياة المصريين أسماء أشتهرت بغلظة القلب وتحجر العقل و فكر الصحراء المتخلف .. إنه القرار الفاصل بين "الحلال والحرام" بالقانون.
قرار يليق بمصر وعلمائها و مستواها التقنى والفنى و مستشفياتها المجهزة على أعلى مستوى .. ويضع مصر (التى تأخرت كثيرا) فى مكانتها العلمية اللائقة.
إنه قرار السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسى" بإنشاء مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر، يكون الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط وإفريقيا.
أصدر" السيسي" توجيها بأن يتم إنشاء المركز في معهد "ناصر" وأوصى بتطويره ليصبح مدينة طبية عالمية جديدة، كما وجه بأن يتم إنشاء المركز "بالتعاون مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة، بهدف إنشاء منظومة متكاملة، تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع، والمرضى، والمتبرعين".
بالصدفة البحتة نُشر مقالى عن زراعة الأعضاء فى مصر ( كأنما أحيا الناس جميعا) فى نفس يوم إصدار القرار .. ولمن لا يعلم هذه القرار يحدث "ثورة طبية" فى مصر ويوفر ملايين الدولارات التى كانت تنفق على زراعة الأعضاء .. لأننا للأسف كنا مكبلين بفتاوى بالية تحرم الإعتراف بموت "جذع المخ" وهو ما جعل نقل وزراعة أعضاء مثل الرئة أو القلب أو البنكرياس وغيرهم من الجسم البشرى مستحيلة.
لقد عايشت عن قرب عدة حالات إضطرت لزراعة أعضاء ، الكاتب الراحل "مجدى مهنا" و الكاتب الراحل "محمود الكردوسي" .. كلا منهما إحتاج لزراعة كبد وهى تحتاج لفص كبد من المتبرع ، لكن رحلة البحث عن متبرع وتوافق الأنسجة وما إلخ جعلت كلا منهما يقف على عتبة الموت إنتظارا للجراحة.. بالمناسبة الجراحة تمت فى مستشفى "وادى النيل" على يد الجراح الدكتور "محمود المتينى".
ذكرتهما فقط لأدلل على أن مصر لا تنقصها الإمكانيات ولا الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بتلك الجراحات الدقيقة .. كما أن "قاعدة البيانات" متوفرة لكل المصريين من حملة علاج فيروس C وكذلك من تطعيم مصل كورونا .
القانون أيضا موجود بالفعل ولكن فيما يخص زرع الأعضاء والقرنية؛ فلهم قوانين ولائحة تنفيذية يتم تطبيقها بكل شفافية في مصر، أما بدء تجارب ما قبل الإكلينيكية لزرع الرئة في مصر فيحتاج إلى قانون يعترف بالموت الإكلينيكى ويحدد سبل التبرع وكيفية إثباتها من المتبرع .. المتبع فى أمريكا وأوروبا أن الإنسان يكتب إقرار بالتبرع عند إستخراج رخصة القيادة ويمكن بالقطع ضم الرقم القومى إليها .. وتبقى لدينا عقبة واحدة "ثقافة التبرع" .
لقد حاولنا أثناء جائحة كورونا حث المواطنين على التبرع بالأجسام المضادة ، عقب الإصابة والشفاء من الفيروس، ولم ننجح .. فكيف نقول للمواطن البسيط المتدين أن "إختلاف الفقهاء رحمة" وبالتالى يجوز للسلم أن يأخذ برأى ويهمل الآخر .. لكن الهوى الشعبى للأسف و النفوس المرتبطة عاطفيا بالمشايخ جعلت الناس تضع بعض رجال الدين فى مصاف الآلهة والأنبياء ولا يجوز مخالفة "إجتهادهم" و هو رأى بشرى قد يأتى من يقول بعكسه وليس نصا منزلا من السماء.. أتحدث عن فتوى "الشعراوى" بتحريم زراعة الأعضاء .. ولا أملك إلا أن أقول "التبرع إختيارى" و كل قوانين العالم لا تستطيع أن تجبر الإنسان حيا أوميتا على التبرع بعضو من جسده دون إرداته .
ختاما : تبهرنى قدرة السيد الرئيس على الإحساس بنبض الناس ومتابعة الرأى العام .. وتسعدنى أيضا لأن "صوت الناس" أصدق من كل ما يردده الخبراء أحيانا .. و الناس منهكة لا تتحمل كلفة ومشقة البحث عن "متبرع" فيأتى الرئيس معبرا عن إرادتهم بتأسيس أكبر بنك للأعضاء فى المنطقة.
"تسلم ياريس" .. دعوة من قلب مواطنة عايشت آلام بعض المرضى .. من كاتبة سخرت قلمها لهذه القضية .. "تسلم يا صاحب القرار" الحاسم البتار المستنير.