ليست هكذا تتم صياغة البيانات -أو القرارات- عن المؤسسات والمنظمات الدولية التى تحترم ذواتها، والبيان الصادر مؤخراً عن البرلمان الأوروبى، لا يمكن التعامل معه إلا بكونه مكتوباً على ورقة تواليت، الكل يعرف مقدّماً فيما يتم استعمالها بشكل أساسى، وفى الأدبيات والقوانين واللوائح البرلمانية فى كل أنحاء العالم، يفقد النائب البرلمانى الثقة والاعتبار عندما يكذب أو يدلس، فما بالنا بكيان كبير -عبر أممى- يكذب كما كذب، ويدلس كما دلس، ببيان إن تمت تبرئته من تهمتى الكذب والتدليس، فليس أقل من اتهامه بالجهل المطبق.
فى تناوله لأوضاع حقوق الإنسان بمصر، انتهج البرلمان الأوروبى نهجاً مريباً وعمدياً، مستنداً على ادعاءات ومعلومات مغلوطة تلقاها -دون أدنى بحث أو تدقيق- من منظمات حقوقية ليست فوق مستوى الشبهات معروف عداءها المعلن مع نظام الحكم فى مصر، وتضع على رأس أولوياتها استهداف سمعة الدولة والإساءة إليها.
الملمح الإيجابى الوحيد لهذا البيان، يتمثل فى كل هذا الوضوح الشعبى والسياسى الرافض له فى ما يشبه الإجماع، وهذه هى اللطمة الثانية فى أقل من شهر من المصريين لأعداء بلدهم، بعد رفضهم الدعوة إلى الفوضى يوم 11/ 11.
الشعب المصرى أصبح الآن أكثر وعياً بحجم المؤامرة التى تستهدف الدولة، والتى من بين أدواتها تحميل ملف حقوق الإنسان بتهم وافتراءات حول قضايا مزعومة -ومستهلكة- واستقبل بيان البرلمان الأوروبى باعتباره محاولة مفضوحة لتسييس الملف، استخدامه كوسيلة للضغط على الدولة وابتزازها لخلق مكاسب سياسية ومصالح اقتصادية، لم يعد تحقّقها مقبولاً أو ممكناً بهذه الطرق، فى ظل عالم متغير لا يمكن معه تجاوز مفهوم الدولة الوطنية ذات السيادة.
سوء نية البرلمان الأوروبى تظهر فى ما كشفه النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، عن زيارة «إيمون جيلمور» الممثل الخاص للاتحاد الأوروبى -الذى يعمل البرلمان تحت مظلته- إلى مصر فى أبريل الماضى، والتقى على مدار ثلاثة أيام بكل من سامح شكرى، وزير الخارجية ورئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وخالد البقلى مساعد الوزير رئيس الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وعمر مروان وزير العدل، واللواء حسام الخولى مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، كما التقى «جيلمور» بالنائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، والنائب محمد هيبة، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، واجتمع أيضاً الممثل الخاص للاتحاد الأوروبى مع المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للإعاقة والمجلس القومى للطفولة والأمومة ومنظمات المجتمع المدنى والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنسق المقيم للأمم المتحدة وممثلى 9 وكالات وبرامج تابعة للأمم المتحدة، وكذلك الأفراد ذوو الاهتمامات الخاصة فى مجال حقوق الإنسان فى مصر.
ووفقاً لما نشره الموقع الرسمى للاتحاد الأوروبى يوم 14 أبريل الماضى، أسفرت الزيارة عن ترحيب «جيلمور» بنشر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى مصر 2022 - 2026، التى ناقش مع كل من التقاهم من المسئولين خطط تنفيذها الفعالة، كما تلقى المبعوث الأوروبى تأكيدات بأن القضية 173 (المعروفة إعلامياً بقضية التمويل الأجنبى) تم إغلاقها، ورفع قرارات حظر السفر وتجميد الأصول المترتبة عليها.
قال «جيلمور» نفسه عن تلك الزيارة: «أقدّر المشاركة الصريحة والبناءة التى قمت بها فى مصر خلال الأيام الثلاثة الماضية، بما فى ذلك مناقشات عن حالة حقوق الإنسان فى أوروبا وعلى نطاق أوسع فى المنطقة، وأعتزم مواصلة الحوار حول كل القضايا التى تمت مناقشتها خلال الزيارة».
هذا التناقض الصارخ بين ما نشره الاتحاد الأوروبى عن زيارة مبعوثه الخاص لمصر، وما تناوله بيان البرلمان الأوروبى يضرب مصداقية كل الأطراف (الأوروبية) فى مقتل، ويؤكد أن مؤسساتهم لا تسير إلا على هوى أفراد فقدوا الثقة والاعتبار، ولو أنصفت تلك المؤسسات لحاسبت هؤلاء، إنقاذاً للبقية الباقية من سمعتها.