قبل أن تزداد علامات الاستفهام ويزداد فضول القراء حول هذا السؤال، أجد لزاماً علىّ أن أوضح وأشرح وأعترف وأقر وأعلن بصوت مرتفع أننى أتحدث عن أجمل المشاعر التى تغرقنا وتكتسحنا وتملأ عروقنا ونعيش بها ولها منذ نعومة أظافرنا وحتى آخر لحظاتنا فى الحياة فهى الوحى والإلهام ومحرك الأيام والسنين ومحددة الأهداف والدافعة للنجاح والسعى والاجتهاد والمثابرة واحتمال الآلام، وهى مؤشر وعلامة سلامة القلوب وسعادتها، أحدثكم عن الحب وكما قال الشاعر الذى لحنت كلماته وعاشت وانتشرت ورددها العشاق فى لحظات الاستغراق والبحث عما وراء قصصهم، ولماذا كان هذا الاختيار وذاك «مين السبب فى الحب القلب ولّا العين؟».
ويبدو أن العلم يختلف تماماً مع كلمات الشعراء التى عشنا معها جميعاً قصص حبنا الأولى، فقد أثبت علماء المخ والأعصاب أن المسئول عن تلك المشاعر هو المخ وأن هذا الساحر الرومانسى الذى نتحدث عنه جميعاً ليس أمراً بسيطاً فهو عملية معقدة تضم ١٢ منطقة فى الدماغ تعمل معاً من أجل إنتاج وإدامة هذه اللحظة.
وبحسب الدراسة التى نشرت فى صحيفة «إندبندت» البريطانية والتى أكدت أن الحب ليس أمراً بسيطاً إلا أنه سريع للغاية، وقد أطلق على الدراسة اسم «تصوير أعصاب الحب»، حيث ذكر فيها أن مناطق الدماغ التى تسمى تلافيف الدماغ الأمامية الوسطى والتخفيف الأمامى وكذلك المواد الكيميائية الخاصة بنمو الأعصاب من هرمونات تشارك فى تنظيم مشاعر الحب.
ومن نتائج تلك الدراسة وأهمها كانت الإجابة عن السؤال الذى يردده الجميع ويبحثون عن إجابته وهو «ماذا يحدث فى الجسد عندما نقع فى الحب؟»، أثبتت التجارب والملاحظات التى سجلها الأطباء أن الحب يأتى على ثلاث مراحل ولكل مرحلة هرمونات خاصة بها من شأنها أن تحدث تغييرات فسيولوجية ونفسية، الأولى مرحلة الرغبة التى يقوم الجسم فيها بإفراز هرمون الاستروجين لدى السيدات والاستوستيرون لدى الرجال.
ومن جهة أخرى فإنه عند الوقوع فى الحب يتم إغلاق نشاط منطقة التقييم الموجودة فى مقدمة الدماغ وهذا ما يفسر عدم تطابق التقييمات العقلانية مع توجه المشاعر والعاطفة نحو شخص ما وهو ما يعبر عنه المثل الشعبى «الحب أعمى». ثم تأتى بعد ذلك مرحلة الانجذاب التى يفرز فيها هرمون (الدوبامين) الذى يطلق عليه اسم هرمون السعادة والأدرينالين والدوبامين والسيروتوسين وكل هذه الهرمونات تؤدى إلى حالة مزاجية جيدة جداً حيث يشعر الإنسان بالسعادة والرضا والراحة النفسية.
ثم تأتى مرحلة التعلق والارتباط ويفرز فيها الجسم هرمون الأوكسيتوسين والفاسوبريسين حيث يؤثران على الجهاز العصبى وهما المسئولان عن التعلق الاجتماعى.
ويبدو أن تلك العلاقة بين المخ والحب أثارت اهتمام أغلبية أطباء المخ، حيث أعدت د. جول دولن الأستاذة المساعدة فى علم الأعصاب فى كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز فى بالتيمور هى وفريق عمل دراسة أخرى كان من ضمن نتائجها أن الوقوع فى الحب يتوافق مع إطلاق مواد كيميائية رئيسية فى الدماغ.
وتطلق تلك المواد من منطقة ما تحت المهاد وهى بحجم اللوزة ومتعددة الوظائف فى أعماق الدماغ وتطلق هرمون الأوكسيتوسين أو ما يسمى «مادة الحب الكيميائية»، والطريف أنه لا يبدو أن جميع أنواع الحب متشابهة فى الدماغ فهناك الرومانسى والترابط الأسرى أو المودة بين الأصدقاء وكل منها تأتى فى نقاط قوة مختلفة، حيث يأتى الحب الرومانسى من الخلايا العصبية الكبيرة بينما تأتى أشكال الحب الأخرى من الخلايا العصبية الصغيرة. وذكرت الدراسة أنه يتم تقريباً إطلاق ٦٠٠٠٠ وحدة إلى ٨٥٠٠٠ من الأوكسيتوسين فى الخلايا العصبية الكبيرة، وهذا أكثر بكثير من الخلايا العصبية الأصغر التى تطلق من ٧٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ جزىء.فليفكر كل منا ويرى فى أى مرحلة يعيش وكم عدد الجزىئات التى يفرزها عقله ليحدد من يحب ولماذا؟