يتزامن صدور طبعة جديدة من كتابي «حركة شباب: مشاهدات مراسل أجنبي في مصر 2011- 2018» في الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، مع الذكرى السنوية لـ (25 يناير)، الحدث الرئيسي الذي دارت حوله نصوص الكتاب ومشاهداته، وكنت خلال تلك الفترة مديراً لمكتب صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في القاهرة، لهذا رصدت الأحداث بعين مراسل أجنبي (مصري الجنسية)، وهي زاوية تبدو فريدة ومغايرة عن سائر الكتابات التي روت وحللت وقيمت ما جرى في يناير من ذلك العام المشهود.
وعندما أعدت قراءة النص الذي يتصدر صفحات الكتاب الصادر عام 2020، وجدته صالحاً اليوم لنبدأ منه كلامنا عن ذكرى الحدث التاريخي، فقد كتبت: «ربما تكون قد تبدلت مشاعرك تجاه 25 يناير، وفقدت حماسك للمعنى الذي خلده في وجداننا، وربما تكون انقسامات كبيرة وصراعات مريرة وخسائر كثيرة، هي الجزء الظاهر من حصاد حلم الثورة الجميل، لكن ما يجب أن يدركه هذا الجيل من شباب مصر الذي كان نواة هذا الحراك السياسي الملهم، هو أن الأحلام لا تموت، مثلها مثل الشهداء، أبدا لا يموتون».
لا يصح أن نظلم يناير وشبابها، بل يجب دوماً أن ننصفهم ونذكرهم بالخير، فلقد أشعلوا شمعة في فضاء الوطن المعتم، نبهتنا إلى حتمية التغيير، ونثرت بذور الحلم الوطني المصري، والذي لاحت بشائر إثماره مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ألهمته «حركة الشباب» لرسم معالم طريق الأمل في نهضة حقيقية لمصر، وتبلورت رؤيته في «خارطة طريق» ظل شعارها «مصر تستطيع.. وشعبها قادر»، وتولى القيادة وأنقذ السفينة قبل أن تغرق، شاركه مخلصين ممن لم يتلاعب الهوى في وطنيتهم، ولم تجرفهم الرياح العاتية بعيدا عن شاطئ الوطن، فلبوا معه الرئيس نداء «تحيا مصر».إن أهم ما تعلمناه من درس «يناير 2011»، هو التأكيد على أن مصر لا يناسبها «التغيير الثوري»، فلم تحقق الثورات لها عبر تاريخها الحديث أي إنجازات شعبية فارقة أو نتائج سياسية مستدامة، مصر حضارة عريقة لا تحتمل الزلازل السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية، مصر يناسبها الحلول التدريجية والتغيير المرتبط بالنضج والتطور، لأنه يؤسس لنفسه وجودا حقيقيا في أوصال الجسد المصري العريق، الذي لا يتقبل إلا ما تهضمه ذائقته الحضارية، لقد مر على مصر أهوالاً وغزتها إمبراطوريات عتيدة نهبت صفحات مطولة من تاريخها.. لكنها لم تسرق روحها، واجتاحتها رياح الأفكار القادمة من كل بقاع العالم في كل الأزمنة، لكنها استوعبت الجميع وحافظت على ملامحها وعلى شخصيتها الأصيلة، التي تظهر أوقات المحن والأزمات، إن «المعدة» الحضارية المصرية قادرة على تقبل كل اختلاف واحتوائه بصبر، ومزجه مع «المكون» المصري، أقول هذا وأؤكده رغم ما نعانيه مؤخراً من خلافات فكرية تبدو مقلقة أحياناً.
ما يزال كتابي معبرا بصدق عن مشاعري ووجهة نظري تجاه الحدث الفارق في تاريخ مصر الحديث، لا يُنقِصه وصفي لـ «يناير» بأنها «حركة شباب» وليست ثورة مكتملة الأركان، ولا يتعارض تقديري للحركة مع تحيزي الصادق لرمز الدولة المصرية وبطلها عبد الفتاح السيسي وتأييدي لمشروعه النهضوي لبناء الجمهورية الجديدة.
إن مصر في عهد السيسي تهرول بإيمان نحو المستقبل، فلقد نجح الرجل الوطني المخلص باجتهاد ومعاونة صابرة من الشعب، أن يتحمل أعباء فواتير «يناير» وما سبقها من أخطاء عهد مبارك، وأجتاز بفضل الله الكثير من الأزمات وتخطى مخاطر محلية وإقليمية ودولية بدهاء وذكاء، وتمكن بعد سنوات من الحكم الرشيد أن يضع مصر على أعتاب طريق الحلم الذي ولد في يناير 2011 على يد شبابها، واكتملت رحلته بفضل الله الذي سخر لهذا الوطن جيشا وطنيا صادقا في انتماءه واثقا في عطائه، و«شرطة» يستحق رجالها كل الشكر والعرفان على عطائهم وبسالتهم وتضحياتهم، ولن نختزل الشكر فقط يوم عيدهم «25 يناير»، فهو ممتد طوال العام، فكلاهما الجيش والشرطة في مصر يستحقا الشكر المتواصل على ما يبذلوه لحماية أمن مصر وشعبها.
سيظل يناير طويلاً في القلوب نتجادل عنه وحوله، وسيبقى جدلاً صحياً مبعثه المحبة والترابط بين أبناء وطن واحد (شعب وشرطة)، نحتفل جميعاً باليوم وأحداثه التي نفخر ونعتز بها، لأنها كلها أحداث وطنية من أجل وطن غالي نعشق ترابه.
وكل 25 يناير ومصر بخير.