لم تكن مجرد ليلة لافتتاح مشروع كغيره من المشروعات مهما تنوعت، لكنها ليلة تبعث على التفاؤل، وتجدد آمالنا فى مستقبل أفضل لأبنائنا فى وطن آمن يظلله مفهوم المواطنة فعلاً وليس قولاً.قبل أن يغادرنا عام 2022، كانت الليلة الأجمل -بالنسبة لى- على مستوى العام كله، ليلة افتتاح مؤسسة خالد محيى الدين الثقافية فى إحدى قرى مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، مركز إشعاع ثقافى أسسه بالجهود الذاتية والتبرعات الأهلية النائب الشاب علاء عصام عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وأمين شباب حزب التجمع.المؤسسة الثقافية الوليدة -والرائدة أيضاً - تضم بطبيعة الحال مكتبة متنوعة، وقاعة مجهزة للقراءة، ويمكن تجهيزها كقاعة للعروض السينمائية، وبها جانب لممارسة لعبة تنس الطاولة وألعاب أخرى كالشطرنج، وعلى جدرانها من الخارج وفى الداخل صور جرافيتى لأعلام فى الفكر والأدب والفن والسياسة، كخالد محيى الدين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، وأم كلثوم، وأتوقع أن تثير هذه الصور تساؤلات النشء من زوار المؤسسة حول ماهية تلك الشخصيات، وعلينا أن نتخيل أو نتوقع مدى الفائدة من تعريف أولادنا برموز التنوير فى عالمنا المعاصر.
قبل الوقوف أمام ما يمكن اعتباره إضافة نوعية مهمة للقرية محل تلك المؤسسة الثقافية، لا بد من التذكير بأن التطرف الدينى نما وتوغل فى الريف المصرى عموماً وخاصة فى الوجه القبلى، مرتكزاً على زيادة معدلات الأمية وعدم الاهتمام بالجانب الثقافى فى تلك القرى سواء من خلال مراكز شباب أو قصور ثقافة التى كان يمكن من خلالها بث الرسائل المناسبة لتصحيح المفاهيم المغلوطة والمتطرفة أولاً بأول.
مباعث الأمل والتفاؤل كانت حاضرة بقوة فى تلك الليلة، فعدد الأطفال الحاضرين ممن تدور أعمارهم حول العاشرة كان طاغياً، تملأ عيونهم الفرحة بافتتاح ما يعتبرونه متنفساً لحيويتهم ومنفذاً لطاقاتهم، ومع حركاتهم فى المكان تستشعر استعجالهم لانتهاء الاحتفال لينطلقوا فى المكان، وفاجأنى التصفيق الحاد والمتواصل لدقائق عند تكريم سيدة تقود حملة ناجحة فى قرى -أكررها قرى- البدرشين لمنع ختان الإناث، وحظر زواج القاصرات.. التصفيق الحاد والمتواصل من السيدات والرجال من أهالى القرية يكشف دون شك أن هناك تجاوباً مع أهداف الحملة، وإنه يمكن بجهد توعوى منظم فى الريف، يمكننا تغيير الواقع المزرى هناك، والقفز على الكثير من العادات المتخلفة.
إن المؤسسة الثقافية لديها فريق لكرة القدم النسائية يؤكد تجاوب أهلنا فى الريف مع تطلعات بناتنا للاندماج -الطبيعى- فى المجتمع.
يبقى الجانب الأكثر أهمية على ضفاف هذا الحدث المهم، فعبر حوار جانبى مع النائب علاء عصام أشار إلى قطعة الأرض الفضاء المواجهة لمقر المؤسسة، وقال سنبنى على هذه الخرابة خشبة مسرح، ومن الغد سيبدأ أبناء القرية فى تنظيف الأرض من المخلفات، وتجهيزها.يا له من خبر.. فالمسرح باعتباره «أبوالفنون»، كان وما زال وسيظل إحدى أهم أدوات التنوير فى كل المجتمعات على مر العصور، وهو عمدة المواجهات المباشرة لكل الأفكار التى تحاول المساس بالوجود الإنسانى، وعروضه دائماً تعبر عن حالة من الاستنارة والحرية فى مواجهة التطرف الدينى، والإرهاب الفكرى بأشكاله المتعددة، ومن الآن أترقب العرض الأول على خشبة مسرح الشارع بمشاركة أبناء البدرشين ومؤسسة خالد محيى الثقافية، وهو حدث لا يقل فى أهميته عن أهم مهرجانات المسرح فى مصر.
المؤكد أن الثقافة هى أحد أركان بناء وتنمية المجتمعات، إذ هى العامل الأكثر تأثيراً فى تشكيل منظومات القيم والأفكار والتقاليد والموروثات وحتى الأذواق وغيرها من الجوانب المختلفة التى يُختص بها مجتمعٌ معين عن غيره من المجتمعات.
من هنا يجب على الجميع دعم ومساندة أى محاولة لإحياء دور الثقافة فى المجتمع، علّنا نستطيع فى أقل عدد من السنوات أن نتجاوز سنوات الانحسار والتراجع الثقافى، ومحاولات «نحر» هويتنا المصرية التى استمرت على مدى خمسين عاماً، وتركت آثارها السيئة فى كثيرٍ من حياتنا اليومية.تحيةً للنائب علاء عصام، ويا ليت تجربته تلهم البعض لتطبيقها فى أماكن أخرى.