تحت عنوان: (صراع الأجيال داخل جماعة الإخوان المسلمين.. تاريخية الأزمة ومساراتها المستقبلية)، أصدر مركز تريندز للبحوث والاستشارات الدراسة الحادية عشرة ضمن سلسلة: (اتجاهات حول الإسلام السياسى)، والدراسة للباحث والكاتب المتميز الأستاذ مصطفى زهران.
جمع الباحث فى عمله بين الجانب الفكرى والحركى فى التعاطى مع ظاهرة صراع الأجيال داخل الجماعة، ورصد صراع الأجيال والأفكار، متنقلاً بمرونة بين المحطات التاريخية المختلفة، فجاءت الدراسة رصينة، استشرف فيها مستقبل الجماعة فى ظل الصراع المتكرر الذى تعانى منه.قسَّم الباحث صراع الأجيال داخل جماعة الإخوان إلى أربعة أجيال:
الجيل الأول: من الملكية إلى الجمهورية والحكم الناصرى.
الجيل الثانى: جيل المرحلة الساداتية والعمل الطلابى فى الجامعات.
الجيل الثالث: جيل الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية.
الجيل الرابع: مخاضات 25 من يناير 2011 وإفرازات الثالث من يوليو 2013.
بحثت الدراسة ظاهرة الصراع حسب تراتبية الأجيال، وما تمخض عن هذا الصراع من ثنائية المحافظين والإصلاحيين وظاهرتى المدونين الشباب والكتائب الإلكترونية وتجربة حزب الوسط، انتهاء بظاهرة الإخوان المنشقين، ثم النزوح نحو العنف ونشر الفوضى والتحريض على المؤسسات، خاصة عقب عزلهم من الحكم بعد الثورة المصرية، وهو الأمر الذى دفع الجماعة إلى صياغة قواعد جديدة بعد أن فقدت القيادة السلطة المطلقة فى إدارة شئون الجماعة، كما قال الباحث، ونضيف هنا أن بذور العنف فى فكر جماعة الإخوان لم يكن وليد عزلهم من الحكم، بل له آثار وتجليات فى فكر المؤسس حسن البنا، ومن بعده سيد قطب.
ألقى المؤلف -فى دراسته- الضوء على صراع الشباب وكيف كان فاعلاً مؤثراً داخل الجماعة، وهو ما مثَّل معضلةً فى وجه الجماعة، لا سيما بعد أن دفعت شبابها ليعيش المظلومية والابتلاء والوعد الإلهى، ما دفع الكثيرين منهم إلى اللجوء نحو العنف، ثم محاولة كل طرف فى الصراع نزع الشرعية عن الطرف الآخر.
تتبع المؤلف الأزمات التى تعرضت لها الجماعة فى عهد «البنا» بداية من أزمة فصل 7 أعضاء بعد إدانتهم بإثارة الفتنة فى 1932، ثم فتنة الطالب الجامعى أحمد رفعت عام 1937، ثم أزمة «شباب محمد» 1940، وانتهى الباحث إلى أن عام 1947 عام الأزمات والانشقاقات على الصعيد الداخلى للجماعة، ففى 1945 توجهت التهم الأخلاقية لسكرتير عام الجماعة عبدالحكيم عابدين، زوج شقيقة حسن البنا، بعد أن استغل مركزه لانتهاك أعراض بعض نساء الإخوان، وكانت التهم فى نطاق ضيق ثم اتسعت، وسببت اضطراباً ليس هنا مجال تفصيله، ودار خلاف حول سياسة الجماعة، وقدم عدد استقالته من الجماعة، وصدرت أوامر فصل ذكر المؤرخون أنها شلت جهاز الجماعة الإدارى، ثم جاءت مشكلة أحمد السكرى وفصل إبراهيم حسن بسبب الاختلاف حول سياسة التعامل مع حزب الوفد.
وانتهى الكاتب إلى أن نتيجة ذلك أن «البنا» سارع إلى كتابة سيرته الذاتية التى خرجت فيما بعد باسم: (مذكرات الدعوة والداعية)، لترتيب البيت الداخلى، وهو كلام تردد فى بعض الكتابات الغربية، لكننا نختلف مع الباحث فى هذه الجزئية؛ ونرى أن «البنا» إنما لجأ لتدعيم النظام السرى وتنشيطه على يد صالح عشماوى، ثم انتقلت قيادته إلى عبدالرحمن السندى، وتوالت المشكلات.
أخيراً، فإن المراجع التى اعتمد عليها الكاتب أغلبها من المراجع الثوانى، ولم نره يعتمد كثيراً على المراجع التاريخية الأولى، لا سيما الخاصة بمرحلة الصراع فى عهد «البنا».وفى المجمل، فإن الدراسة جديرة بالثناء، وعمل رائع يُضم إلى الأعمال الرائعة لمركز تريندز وللأستاذ الباحث.