بعد الحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006، اقتنص فصيل حزب الله بقيادة حسن نصر الله مساحة مكاسب سياسية عبر تحالفه مع كتل لبنانية ما منحه اليد العليا فى رسم المشهد السياسى حتى وإن كان بقوة السلاح.
الفصيل الذى لم يخف ولاءه لدولة إقليمية محاولاً التغطية على حقيقة أن هذه الفصائل فى بعض الدول العربية - تحديداً لبنان، العراق، اليمن - عروبتها مشروخة، بل إن تاريخ وحاضر خطابها السياسى هو عبارة عن نظرة استعلائية وعدائية ضد العرب والعروبة.
أما كل ما يصدر عن رغبتها فى إقامة علاقات طيبة مع دول المنطقة العربية لا تتجاوز مصداقيته صيغة الشعارات نتيجة هيمنة حولت المشهد السياسى والاقتصادى اللبنانى إلى بلد يملأ شعبه الساحات والشوارع رفضاً لسيطرة أى فصائل أو ميليشيات ولائية على استقلال دولته التى أُغرقت فى أشد أزمة اقتصادية عرفها تاريخها المعاصر.
بل ازداد تعنت الأمين العام لحزب الله بعد مقتل قائد الحرس الثورى قاسم سليمانى فى العراق، حتى إنه لم يعد يقبل بأقل من رئاسة وحكومة ذات ولاء كامل، قادرة على تأكيد شرعيته القانونية وتغطية ممارساته التى فجرت غضب الشارع اللبنانى رافعاً شعار «لا للدولة داخل الدولة».
حزب الله الفصيل الذى لا يُذكر له أى موقف لبنانى وطنى، أو حتى عربى، طوال العقود الماضية لم يجد حرجاً فى المتاجرة بشعار «المقاومة» والعزف على المشاعر العربية المرتبطة بالقضية الفلسطينية دون أى صدى حقيقى للصواريخ التى يطلقها ولم تتسبب إلا فى خسائر طفيفة على حدود لبنان الجنوبية.
فى محاولة ساذجة للتغطية على دور حزب الله فى تأزيم الأوضاع عبر خلقه حالة فراغ رئاسى وإغراق لبنان فى أزمات اقتصادية، ما جعله فى وضع صعب عصف بشعبيته، لم يعد «نصر الله» يملك ما يقدمه إلى اللبنانيين فى خطابه سوى إقحام دول وأطراف من أجل تحميلهم تبعية الأوضاع السيئة.
لا يجد الرجل حرجاً فى التناقض تحديداً وأن ثمن ولاءات هذا الفصيل إلغاء لبنان الذى يتمتع بتركيبة وثقافة شديدة التنوع فى أحضان مشروع إقليمى على حساب عروبته.
تجاوز «نصر الله» كل حقائق التاريخ والمنطق حين اقترب من مصر واقتصادها. مصر وهى أكبر من أن يمسها شخوص عروبتهم غير مكتملة.. بل مفقودة، قدمت خيرة رجالها من أبطال الجيش المصرى منذ 1948 فداء للقضية الفلسطينية.. تحمل شعبها أشد الظروف قسوة فى صراعه الطويل مع إسرائيل حتى نجح فى استرداد أرضه وأصبح الجيش قوة داعمة للمساعى السياسية التى تبذلها مصر من أجل القضية الفلسطينية.
المتاجرة بالقضية الفلسطينية حضرت فى خطاب «نصر الله» فى سياق تعبير صدوره عن القائل مثير للدهشة «محور المقاومة» فى إشارة إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل! متجاهلاً عن عمد عدة حقائق تورط فصيله للأسف فى البعض منها، مثل أن هذه الاتفاقية مكنت دخول الجيش المصرى إلى مناطق فى سيناء لتطهير أرضها من التنظيمات التكفيرية التى تسللت إليها بعد 25 يناير 2011، وضمنها أطراف مرتبطة بفصيل حزب الله.
حروب المقاومة التى لم يسمع بها «نصر الله» هى الحرب التى أذهلت العالم وما زالت تدرس فى عدة أكاديميات ومعاهد عسكرية.. حرب أكتوبر 1973 التى امتزج فيها أطهر دماء لأبناء الجيش المصرى بدعم أشقائه العرب عبر مختلف الوسائل التى تحملها الكلمة.
أما «مقاومة» المتاجرين بالقضية، فهى مجرد سلعة تستدعى للعرض وفق تعليمات إقليمية. لا يعترف الأمين العام أن المقاومة ضد المعتدى تقودها الجيوش الوطنية للبلاد عبر دعمها وتعزيز قوتها، فهو يضع عينيه فقط على تطبيق نموذج تكوين فرق وميليشيات ولائية موازية للجيش.. قبلتها تتجه نحو نمط إقليمى وليس وطنياً.
خلط الأوراق عند «نصر الله» بلغ درجة عدم التفرقة بين أزمة اقتصادية دولية عصفت بأقوى اقتصادات العالم، وبين محاولات متعمدة من أطراف إقليمية لتركيع دول مثل العراق ولبنان واليمن سياسياً واقتصادياً.
أيضاً الربط لا يبدو بعيداً بين تصريحات «نصر الله» والتريث المصرى تجاه المغازلات الإيرانية الداعية لفتح قنوات اتصال بين القاهرة - طهران فى إطار التقدم بمستوى العلاقات مع مصر، نتيجة تصور لدى الدوائر الرسمية الإيرانية بعد حضور وفدهم مؤتمر قمة المناخ «كوب 27» ثم المشاركة إلى جانب مصر فى قمة «بغداد2».. لكن حسابات مصر دقيقة وحكيمة ترتبط بعلاقات عربية وإقليمية، يحدد مسارها الرؤية الشاملة لا المتغيرات المؤقتة.