منذ مطلع العام، يستعجل المصريون انتهاء شهر يناير، ولا يكُفون عن التذمر بزعم مروره ببطء، وكأن فبراير يخبئ لهم أمراً ما.. وهاهو يناير قد مضى، فماذا ينتظر المصريون في فبراير ؟
هذه الظاهرة متكررة وتحتاج إلى الغوص في عقول المصريين، حيث أن ذلك الشعور لديهم ليس وليد هذا العام، ولكنه يرافقهم دوماً في كل سنة تأتي وتمر، كما لا يقتصر على يناير، فكلما بدأ شهر تعجل المصريون انقضاؤه بسرعة، انتظاراً لآخر.
فهل يستعجل المصريون مرور الأيام ؟
من واقع رؤيتي الشخصية وتجارب السفر والغربة، فإن المصري يحمل طباعاً مميزة، تجعلك تلتقطه وتعرفه دون أن يتحدث أو يفتح فمه، سواء صادفته على ضفاف الخليج، أو شواطئ المحيط .. في الغرب أو الشرق، عندما تراه ستجد أنفاً من الكبرياء الفرعوني لا يقبل الانكسار، وقامة شامخة لا تعرف الانحناء، وعيناً ثاقبة تجوس في دهاليز روحك ليصل إلى حقيقتك، فيقرر العقل كيف يتعامل معك.
هو شعب لا يشبه الكثير من الشعوب، ربما الإيطاليين فقط من نتقاسم معهم ـ برأيي ـ عدة سمات مثل اللون القمحي، والصوت المرتفع، والإشارة باليد مع كل حديث، وربما الفهلوة، ولكن يظل للمصريين طابع خاص، وقدرة على التكيف مع كل جنسية وفي أي بلد، واقناع الآخرين بما نريد، فمن بيننا خرج بطل مصري خدم بلاده بأن عاش في إسرائيل قرابة عقدين، قريباً من دوائر السلطة هناك دون أن يكتشف أحد حقيقته حتى مات، وغيره آخرون لهم باع طويل في التواصل مع الشعوب والثقافات.
وبالعودة إلى السؤال المطروح، فإن المصريين اعتادوا مواجهة الأزمات بسلاحين اثنين: الأول النكتة، والثاني الصبر.
حيث يعرف العالم عن المصريين خفة الدم، دون استخفاف، هم قادرين على رسم الضحكة بكوميديا الموقف، والسخرية حتى من أنفسهم وظروفهم، كما أنهم شعب صبور للغاية، مكافح مناضل معافر، قادر على تحمل الكثير، والعيش بالقليل، والتاريخ يشهد بذلك، وكنوع من الصبر يتعجل مرور الأيام، حيث يحرص على اقتناء "روزنامة" العام، ويقطع ورقة اليوم فور انتهائه، كما يستشرف الشهور المقبلة، خاصة لمعرفة المواسم والإجازات الرسمية، والنكتة والصبر هما وجهين لعملة واحدة، هي وحدها القادرة على أن تعبر بالمصريين الأيام وتتجاوز بهم المحن.
ولعل "الايفيه" الذي أطلقه الكوميديان محمد هنيدي في فيلم "يوم مالوش لازمة"، ولازم لسان المصريين، خيرُ دليل على ذلك، حيث يقول الايفيه "زق معايا اليوم"، وفي كل يوم يمر ومع أي مشكلة حياتية تحدث، في العمل.. داخل المنزل .. على الطرق.. بالأسواق، يتبع المصريون هذه الاستراتيجية، الدعوة لأن يتكاتف الجميع سوياً ليمر اليوم ولو دفعاً، كي ينتهي بسلام، مع التفاؤل في أن يأتي غدٍ أفضل حالاً، فإذا جاءت الرياح بعكس ذلك، تمتد أيديهم لدفع يوم جديد، بحثاً عن آخر مختلف.
لم يسأم المصريون شهر يناير، ولا ينتظرون شيئاً في فبراير، هم فقط يدفعون الأيام دفعاً، بحثاً عن الفرج المنشود، ومن يصف هذا الشعب بالتشاؤم، جاهل لا يعرفه، فقد اعتاد أن يرى نقطة النور في بحر العُتمة، ويسعى لها بثقة من يوقن أن الفجر آت.