فى عام 1944، اجتمع ممثلو 44 دولة لتطوير النظام النقدى الدولى، فى منطقة «بريتون وودز» بولاية «نيو هامبشير» الأمريكية لمدة 22 يوماً، وضعوا خلالها نظاماً جديداً، عرفه العالم باسم نظام «بريتون وودز»، ويستهدف هذا النظام الجديد ضمان استقرار سعر الصرف، ومنع التخفيضات التنافسية، وتعزيز النمو الاقتصادى.
وبالفعل استقرت الحسابات الدولية للدول العاملة بالدولار الذى يمكن تحويله إلى الذهب بسعر صرف ثابت هو 35 دولاراً للأونصة (تساوى 31 جراماً تقريباً)، والتى كانت قابلة للاسترداد من قبل حكومة الولايات المتحدة، التى كانت تلتزم بدعم كل دولار فى الخارج بالذهب ما جعل سعر صرف العملات الأجنبية ثابتاً مقارنة بالدولار.
ومع وجود مشروع مارشال الاقتصادى لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذى وضعه الجنرال جورج مارشال بعد أن أصبح وزيراً للخارجية الأمريكية، أصبح هناك طلب على الدولار للإنفاق على السلع الأمريكية، مثل السيارات والصلب والآلات وغيرها من السلع، وبقى نظام «بريتون وودز» آمناً لعدة سنوات، على خلفية أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تملك مع نهاية الحرب العالمية الثانية نصف احتياطيات الذهب الرسمية فى العالم بحوالى 574 مليون أوقية.
وجاء عام 1971 لتجديد الإدارة الأمريكية نفسها فى مواجهة مجموعة من الضغوط فمعدل البطالة وصل إلى 6.1%، وبلغ معدل التضخم المالى 5.84%، وكانت الولايات المتحدة فى ذلك الوقت تعانى العبء المالى المترتب على حرب فيتنام، والذى جعل سياسة الإنفاق الحكومية غير قادرة على الصمود، وصاحب ذلك عجز متضخم فى ميزان المدفوعات أدى لزعزعة الثقة الدولية فى الدولار.
وفى محاولة للسيطرة على هذا الوضع الاقتصادى السيئ، بدأ الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون مشاوراته مع آرثر بيرنز، رئيس الاحتياطى الفيدرالى، وجون كونالى، وزير الخزانة، واجتمع أيضاً مع بول فولكر، رئيس مجلس الاحتياطى الاتحادى، ومع وكيل وزارة الخزانة لشئون النقد الدولى.
وبعد ظهر يوم الجمعة 13 أغسطس 1971، التقى «نيكسون» سراً فى منتجع «كامب ديفيد» كل هؤلاء بالإضافة لاثنى عشر مستشاراً رفيع المستوى فى البيت الأبيض، للتشاور حول ما ينبغى القيام به.
وأصدر «نيكسون» قراراً بفرض تجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يوماً لمواجهة التضخم، وفرض 10% كرسوم إضافية على الاستيراد لحماية المنتجات الأمريكية من الاحتضار بسبب التقلبات المتوقعة فى أسعار الصرف.
كل تلك الإجراءات يمكن تفسيرها وفهم سياقها، فها هو الرئيس الأمريكى يسعى لتجاوز أزمة حادة تمر بها بلاده، لكنه (نيكسون) كان يراهن على المفاجأة الأكبر التى ستجعل كل تلك المشكلات تحت السيطرة.
فاجأ الرئيس الأمريكى «نيكسون» العالم فى 15 أغسطس عام 1971 عبر خطاب تليفزيونى، معلناً إلغاء التحويل الدولى المباشر من الدولار إلى الذهب، وهو ما يعنى عملياً انهيار النظام النقدى الدولى «بريتون وودز»، الذى كان الدولار الأمريكى فيه قابلاً للتحويل إلى الذهب بمعدل 35 دولاراً للأونصة، وتم ربط العملات الرئيسية الأخرى بأسعار ثابتة مقابل الدولار، وانتهى الأمر بتمهيد الطريق لاعتماد النظام الحالى لأسعار الصرف العائمة.
وهكذا ظل الدولار الأمريكى مهيمناً على الاقتصاد العالمى لأكثر من 50 عاماً دون مبرر.. وتعايش العالم طوال هذه السنوات مع هذا الواقع المر قبل أن تبدأ المواجهة لكسر تلك الهيمنة، وللحديث بقية.