ولأن الولايات المتّحدة الأمريكية كانت تمتلك الاحتياطى الأكبر من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فهى التى قررت أن يكون سعر الدولار بالذهب هو 35 دولاراً للأونصة (31 جراماً)، وهذا لم يكن فى استطاعة الدول الأطراف فى نظام «بريتون وودز»، الالتزام به، وهو ما أدى طوال عشرات السنين لأن تقوم العديد من الدول بتكديس الدولارات الأمريكية كاحتياطى للنقد الأجنبى بهدف استبدالها بالذهب وقت ما تريد.
وهكذا تحقق الحلم الأمريكى بالسيطرة على الاقتصاد العالمى، وبعد سنوات قليلة (11 عاماً) تورطت الولايات المتحدة فى حرب فيتنام التى بدأت عام 1956، واستمرت حتى عام 1975، واحتاجت إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، وقامت بتجاوز الحد المسموح من الدولارات المطبوعة غير المغطاة بالذهب، دون أن تعلم أحداً بذلك، ومع الوقت انكشفت اللعبة، عندما عجز البنك الفيدرالى (المركزى) الأمريكى عن تلبية طلبات تحويل الدولارات للذهب، ومن الوقائع الأكثر شهرة وإثارة عندما طالب الرئيس الفرنسى «تشارل ديجول» بتحويل 191 مليون دولار أمريكى إلى ما يقابلها من الذهب، وعجزت الولايات المتحدة عن تلبية الطلب الفرنسى، وهو ما عجل بالقرار الصادم للعالم من الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون» بإلغاء التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب فيما عُرف لاحقاً باسم «صدمة نيكسون».
المثير بعد ذلك أن العالم كله قرر التعايش مع الصدمة الأمريكية التى هى فى حقيقتها عملية نصب عالمية غير مسبوقة على مدى التاريخ، وبعد أن كانت معظم دول العالم تكدس الدولار الأمريكى كاحتياطى لتستبدله بالذهب عندما تريد، وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة غير قادرة على ذلك، كان المتوقع أن يتحول العالم عن الدولار إلى عملات أخرى، أو حسبما أشارت التحليلات الاقتصادية وقتها إلى الاتجاه لاستحداث نظام نقدى بديل، لكن كل الدول ظلت مجبرة على التعامل بالدولار، بعد أن تورطت لسنوات بتكديس مليارات الدولارات كاحتياطى للنقد الأجنبى، وإن اتخذت أى موقف آخر ستضيع كل احتياطياتها، وتتحول لمجرد أورق بلا ثمن.هكذا، تحول الدولار إلى أهم عملة نقدية على مستوى العالم، وصارت جميع الدول مرغمة على التعامل به، ومن خلاله أصبح يتم تحديد سعر بقية العملات، مما رسخ الهيمنة الأمريكية على اقتصاد العالم.
وفى تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية قبل عامين، قال المحلل الاقتصادى «ديفيد أورن» إن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمى تمنح الإدارات الأمريكية قدرة لا تُضاهى على فرض عقوبات اقتصادية ضد كل من يخالف سياساتها، كما يعكس هذا الدور المهيمن للدولار عمق أسواق رأس المال وقوة المؤسسات الأمريكية، ومن المرجح أن تكون هذه الهيمنة طويلة الأمد، وفى التقرير أيضاً يقول «بارى إيشين جرين»، الأستاذ فى جامعة كاليفورنيا وأحد المساهمين فى الكتاب واسع الانتشار «كيف يعمل نظام العملات الشامل»: من أجل إحداث انقلاب عالمى على الدولار، فإن العالم بحاجة إلى أن يفقد ثقة المستثمرين الأجانب فى سندات الخزينة الأمريكية كخطوة أولى لا بد منها لتحقيق ذلك الهدف.وأخيراً بعد أكثر من نصف قرن على صدمة نيكسون بدأ العالم المواجهة.
وللحديث بقية