أهم دلالات لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى افتتاحية القمة العالمية للحكومات هى الشفافية والصدق الذى يلمس عقل المواطن العربى، بالإضافة إلى قوة الخطاب مدعماً بسرد وقائع وحقائق من التاريخ القريب.المنطق يفرض علينا مراجعة عقيدة الوحدة العربية منذ الخمسينات حتى مستجدات اللحظة الحالية، فالتطور هو طبيعة الكون، يعبّر عن نفسه أيضاً فى ضرورة تطبيق أنماط سياسية مستحدثة.ثبت أن الانزواء داخل بذرة الشوفينية -تحديداً على نطاق المنطقة العربية- هو مجرد إنكار لحقيقة بحكم التاريخ والجغرافيا، بالتالى حجم وتسارع الأحداث العالمية، مع ظهور تحالفات وانتهاء أخرى، فرض على القيادات العربية الممثلة لصوت العقل، وعلى رأسها مصر بقيادة الرئيس السيسى، إعادة الروح إلى التحالفات.. النهج السياسى المعاصر الأكثر فاعلية على جمع وتقريب الرؤى العربية.
فى هذا المسار حققت مصر منذ عام 2014 زخماً سياسياً واقتصادياً وأمنياً عبر تحالفات مع دول المنطقة، ما أكسب الموقف العربى توافقاً أمام كل المتغيرات الدولية التى ما زالت تعصف بالعالم وتُنذر بالمزيد من الصراعات الدولية فى شكل حروب بالوكالة أو تهديد للسلام العالمى. ظواهر وتقسيمات جديدة من الصعب تصور أن المنطقة العربية ستكون بمعزل عنها.
ثوابت التقارب العربى تغيرت آليات قيامها بعد تصدُّر الشق الاقتصادى والدبلوماسى وثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.. أصبحت هى الأسس المتقدمة لبناء رؤية عربية مشتركة قادرة على التعامل مع واقع حالى يغلب غليه تشابك بين نفوذ كتلتين «أمريكا - روسيا» داخل مناطق الصراع فى بعض الدول العربية.
التكتل العربى الذى التف حول مصر وإرادة شعبها بعد ثورة 30 يونيو، بالإضافة إلى حكمة مسار الاحتواء الذى اعتمده الرئيس السيسى نهجاً للسياسة المصرية الخارجية، هو أحد العوامل الأساسية وراء تشكيل تحالف جمع الدول المؤثرة فى المنطقة ليؤكد حقيقة تعميق هذه الحالة السياسية كبديل عصرى لمصطلح «الوحدة العربية» بدلاً من التشبث والتناحر الذى أضعف الموقف العربى عبر عقود ماضية.
كما يمنح المزيد من التأثير للمبادرات العربية الساعية إلى تهدئة صراعات المنطقة، تحديداً فى ملف القضية التاريخية داخل قلب كل عربى.. فلسطين.الفهم القاصر لطرح تعبير «مشروع سياسى عربى» يدفع بعض ممارسى الادعاء السياسى إلى الرفض دون حتى فهم عميق للواقع وتحدياته، حالياً الواقع العربى يستدعى التحرك لبناء نفس الهدف، بالطبع ليس عبر استنساخ النموذج من الستينات، لكن وفق صيغة تقارُب تعبّر عن الواقع الحالى.
الأصوات النشاز الداعية إلى تفكك دول المنطقة بدلاً من الحث على مشاركتها فى رسم مشروع سياسى عربى لمستقبل المنطقة، هى أمر غير مقبول، تحديداً مع انخراط دول إقليمية من جهة، وأمريكا وروسيا من جهة أخرى، فى محاولة فرض مشروع سياسى من الخارج على المنطقة.دول المنطقة أصبحت لديها قناعة أن التقارب العربى هو الدواء الوحيد القادر على إعادة الدماء إلى شرايين الجسد العربى الذى ما زالت تنهكه الصراعات القائمة داخل بعض دوله.
هى لم تعد رفاهية تحتمل التأجيل.. بل حقيقة سياسية تفرض نفسها كقضية أمن قومى عربى، حتى إن بعض الدول تجاوزت كل تحفظاتها السابقة وحساسيتها المفرطة تجاه كلمة «المشترك» بعدما أدركت أن الوضع الحالى لم يعد يحتملها.حوار الرئيس السيسى فى جلسة الافتتاح قدم رؤية استشرافية بعيدة النظر من وقائع عاشتها مصر.