كثيراً ما تأملت ما كان يفكر فيه هؤلاء الإرهابيون الذين قاموا بعملية مجلة «شارلى إيبدو» الفرنسية حين خرجوا لتنفيذها.. لا أعتقد أن أحداً منهم قد فكر فى ما ستسفر عنه تلك الحادثة.. أو ما سينتهى إليه الأمر بالنسبة له شخصياً.. لقد كانوا يفكرون فى أمر واحد.. وهو أنهم ينفذون شرع الله وينصرون الإسلام ورسوله الكريم الذى أساءت إليه تلك الجريدة أكثر من مرة.. كان أشهرها تلك الرسوم المسيئة لشخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم التى ظهرت على صفحاتها منذ فترة ليست بالطويلة.. لقد كانوا يؤمنون أنهم على حق.. وأنهم إن نجحوا أو حتى فشلوا.. فهم فى الجنة حتماً!!
والواقع أن التطرف يبحث دوماً عن مثل هذه العمليات كل فترة.. لا ليطبق شريعة الله فى الأرض.. ولا لينتصر للرسول الكريم الذى لم يتضرر من تلك الرسوم وهو فى دار الحق.. وإنما يبحث عنها ليؤكد فكرته أمام نفسه أولاً.. وأمام أتباعه ومن يؤمنون بفكره ثانياً.. فتلك العمليات هى تجديد لدوافع الإيمان بالفكرة الأم لديهم.. ومحاولة لتصدير الفكرة الحمقاء.. إنهم يطهرون العالم من أعداء الإسلام! والحقيقة أنهم أشد عداوة له.
المشكلة أن الخلط يزداد بين الناس حين يبدأ هؤلاء الإرهابيون فى توجيه أسلحتهم لأطراف نشعر نحوهم بالحنق الشديد بالفعل.. أو بمعنى أدق حين يمارس هؤلاء المرتزقة عملهم فى الاتجاه الذى يفترض أن تحاربه فكرتهم الأساسية.. فتبدأ النفوس فى التعاطف والتضامن بصورة لا إرادية معهم.. ويظهر استنكار العامة ضعيفاً مشوشاً.. محكوماً بالكثير من العواطف التى عادة ما تحكم قراراتنا فى المنطقة العربية بالكامل.. تماماً مثلما يحدث حين تتم سرقة المحل الذى تعرف جيداً أن صاحبه لص! إنه شعور خفى بالسعادة لا تستطيع التصريح به.. أو شعور بالرغبة فى أن يفلت اللص بفعلته على سبيل العقاب لصاحب المحل.. وهنا يكتسب الإرهاب ظهيراً شعبياً غير معلن.. يزداد مع رد الفعل الذى قد يكون متعسفاً أو جائراً من الطرف الآخر.. كتلك الرسوم المسيئة التى قامت المجلة بنشرها مرة ثانية عقب الهجوم.. لقد تكرر الأمر حين قُتل بن لادن من أعوام قليلة.. فقد اختلط الأمر عند العامة بين التعاطف معه باعتباره الرمز الذى أذل ناصية العملاق الأمريكى.. ونسى الكثيرون ماذا فعل وكم نفساً قتلها..
لقد خرج هؤلاء الإرهابيون وهم لا يعرفون أنهم يرسمون رسوماً أكثر إساءة للإسلام كاملاً أمام الغرب.. ويهدمون ما بنته أجيال كاملة لرسم صورة حقيقية عن الإسلام وتعاليمه.. فالمواطن الأوروبى لن يلتفت إلى ما يقوله ذلك الداعية الملتحى عن سماحة الإسلام وأخلاقه.. وهو يرى ملتحياً آخر يقوم بتفجير وقتل من اختلف معه أو من يظن أنه عدوه.. كما أن المتطرف الأوروبى سيجد فى هذه الأفعال المبرر الكافى للتحرش بالمسلمين الذين يعيشون بجواره!!
إن تضامنك مع الذين قُتلوا فى مجلة شارلى إيبدو لا يعنى موافقة ضمنية على ما تنشره تلك المجلة من إهانات للإسلام.. وتعاطفك مع الإرهاب ليس انتصاراً للإسلام.. وإنما انتصار لرسوم أكثر إساءة للإسلام وللرسول مما نشرته تلك الجريدة!