بالعودة إلى «جوش ليبسكى» مدير مركز «جيو إيكونوميك» التابع للمجلس الأطلسى فى واشنطن، فقد أدى نظام العقوبات العالمى غير المسبوق الذى فرضته الولايات المتحدة بسرعة ملحوظة ضد روسيا، فى أعقاب العملية العسكرية التى قامت بها الأخيرة فى أوكرانيا فى فبراير من العام الماضى، إلى زيادة احتمالية الاستغناء السريع عن الدولار، ويشير «ليبسكى» إلى أنه حال نجاح الدول فى إيجاد طرق للالتفاف على الدولار، فسيتم تقويض تأثير العقوبات بمرور الوقت، ومستقبلاً قد لا تكون الضربات الاقتصادية الأمريكية المضادة للدول الأخرى مؤلمة تماماً.
فى تصريحات خاصة لموقع «سكاى نيوز عربية»، أشار الدكتور طارق الرفاعى، الرئيس التنفيذى بمركز كروم للدراسات فى لندن، إلى أن هناك كثيراً من الدول خاصة روسيا والصين ترى -على ضوء التطورات الجيوسياسية التى يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة- أن هناك خطراً يتهددها بسبب اعتماد الاقتصاد العالمى على الدولار، وبالتالى فإن ثمة اتجاهاً قوياً ينمو للاعتماد على عملات مختلفة، وهذا لن يحدث فى يوم وليلة، فهذا الأمر يستغرق سنوات عديدة لثبات استقرار العملة البديلة أو الهيكل النقدى البديل للدولار، وفى المستقبل القريب سيرى العالم توسعاً فى التبادل التجارى بين عملات أخرى بعيداً عن الدولار.. لكن هذا لا يعنى نهاية العملة الأمريكية على المدى القريب.أما مسلم شعيتو، رئيس المركز الروسى العربى، فيرى أن عناصر الهيمنة الأمريكية على العالم تتمثل فى القواعد العسكرية والدولار، وعندما تفقد واشنطن واحدة منهما تفقد الثانية تماماً، ويشير إلى أن روسيا لا ترغب فى مواجهة الولايات المتحدة عسكرياً، لكنها تسعى لإقناع البشرية بعالم متعدد الأقطاب، وانتهاء أحادية القطب، وهذا الإنهاء ليس إنهاءً سياسياً وأمنياً فقط إنما اقتصادى ومالى، وإنهاء التحكم فى مصير الاقتصادات والعملات الأخرى، وتعتبر روسيا أن الدولار هو أساس الهيمنة والإمكانات الضخمة التى تتمتع بها واشنطن.
وتسعى روسيا لتشجيع التبادل بالعملات الوطنية أو التبادل بالسلع، كما تسعى لتشكيل عالم متعدد الأقطاب، انطلاقاً من المنظمات الدولية والإقليمية مثل «شنغهاى» و«بريكس» ومنظمات أخرى تراها قادرة وفاعلة ولها إمكانات اقتصادية وبشرية واسعة على مستوى العالم، وهنا تكفى الإشارة على سبيل التوضيح إلى أن تكتل «بريكس» الذى بدأ عام 2006، وتقوده الصين وروسيا، ومعهما الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، ويدور الحديث حالياً عن انضمام دول كبيرة لهذا التكتل مثل مصر والسعودية وتركيا، يمثل حالياً 41% من سكان العالم وينتج 35% مما يحتاجه العالم، وأعلن سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، خلال زيارته الأخيرة إلى جنوب أفريقيا أواخر يناير الماضى، عن توجه «بريكس» لإصدار عملة موحدة للتعامل التجارى بين الدول الأعضاء فى التكتل بدلاً من الدولار.
وبدأت كل من البرازيل والأرجنتين التحضيرات الرسمية لإصدار عملة مشتركة بينهما -ستكون ثانى أكبر عملة لتجمع اقتصادى بعد العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»- لتكون بديلاً عن الدولار فى تسوية تعاملاتهما، مع الإبقاء على العملة الوطنية «الريال البرازيلى» و«البيزو الأرجنتينى»، وسيتم الإعلان عن هذه الخطوة خلال القمة المرتقبة التى ستجمع الرئيسين البرازيلى لولا دا سيلفا والأرجنتينى ألبرتو فرنانديز، فى شهر أبريل المقبل على هامش اجتماعات قمة أمريكا اللاتينية والكاريبى، واقترحت البرازيل اسم «سور» للعملة الجديدة، ويعنى باللغة البرتغالية «الجنوب»، وتعتزم الدولتان دعوة دول أمريكا اللاتينية للانضمام إليها.وللحديث بقية