تدرك الدولة أن التعليم هو الركيزة الأساسية لتحقيق نهضة اجتماعية واقتصادية شاملة، وخلق جيل واعٍ وقادر على النهوض بمستقبل الوطن، والدول الطموحة هى تلك التى تضع قضية النهوض بالتعليم على أولويات برامجها وسياساتها، وخطة تطوير التعليم فى مصر استهدفت تغيير المنظومة بأكملها، لتتحول من التعليم إلى التعلم، مع عدم اقتصار دور الطلاب على أن يكونوا متلقين للمعلومات، بل يتحولوا إلى مستفيدين من نظام متكامل، حيث يقدم نظام التعليم الجديد للطلاب المعلومات ويُكسبهم مهارات الحياة التى تشكّل بنيانهم الفكرى وسلوكهم من أجل تحقيق رؤية مصر 2030.
السطور السابقة منقولة حرفياً من البوابة الإلكترونية للهيئة العامة للاستعلامات، كمقدمة لاستعراض المشروع القومى لتطوير التعليم، الذى بدأته مصر فى عام 2017، مع بداية تولى الدكتور طارق شوقى منصبه وزيراً للتربية والتعليم، واتساقاً مع ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى آنذاك بأن بناء الإنسان المصرى يأتى على رأس أولويات الدولة.
أى مشروع لتطوير التعليم فى أى دولة الآن يعتمد على أربع وسائل أساسية، وهى: أولاً.. تطوير المناهج الدراسية، بداية من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، يصاحبه ابتكار طرق جديدة لتقييم الطلاب، وثانياً.. الاهتمام بالمدرسة نفسها كمبنى مهيأ ومجهز بالمرافق الأساسية اللازمة، كالمكتبات، والمعامل، والملاعب، والفصول المناسبة لأعداد الطلاب، وثالثاً.. الإعداد الجيد للمعلمين، لتنمية قدراتهم، وتطوير مهاراتهم، لمواكبة عملية التطوير بما تتضمنه من تقنيات ووسائل مستحدثة فى سياق العملية التعليمية، ورابعاً.. استخدام التقنيات الحديثة فى التعليم، بعد أن أتاحت التكنولوجيا فرصاً تعليمية واسعة أمام الطلاب والمعلمين، باستخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الكمبيوتر والتابلت، وحتى الهواتف الذكية، ما قد يؤدى إلى ارتفاع مستوى تفاعلهم مع بعضهم البعض، ومع العملية التعليمية نفسها.
فى كل تلك العناصر المرتبطة بتطوير التعليم، قطعت الدولة أشواطاً لا بأس بها، وانطلق المشروع (القومى) ولا نملك ترف التراجع عنه، والمؤكد أن كل مواطن محب لهذا البلد يأمل أن يؤتى ثماره، غير أن هذه الآمال تصطدم بحائط صلب، وهو (غياب الطلاب عن المدارس).
جملة من ثلاث كلمات فقط كفيلة بتدمير مشروعنا القومى لتطوير التعليم، وتهدد مستقبل بلد بأكمله، غياب الطلاب عن المدارس يفرغ المشروع من مضمونه، حيث العنصر المستهدف (الطالب) غير موجود، ولن يحدث التفاعل بينه وبين المدرس، ولا فائدة من وجود المعمل أو حجرة الموسيقى أو ملعب المدرسة.
والمصيبة أن الجميع يشارك فى ارتكاب هذه الجريمة التى تحولت إلى ظاهرة عامة، الطالب يغيب عن المدرسة لحساب مراكز الدروس الخصوصية، وولىّ الأمر يشجعه، وإدارات المدارس تتستر على تلك الجريمة، ووزارة التربية والتعليم تقف عاجزة عن التصدى للظاهرة، التى كانت حتى سنوات قليلة قاصرة على طلاب الثانوية العامة فقط، ثم امتدت لطلاب الشهادة الإعدادية، والآن امتدت للطلاب فى مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية حتى الثانوية، وفى كل الصفوف، بما فيها صفوف النقل، وتلتف الوزارة حول عجزها بتوجيه إنذارات شكلية للطلاب، ثم تحصيل رسوم إعادة القيد من طلاب الشهادات العامة، للسماح لهم بدخول الامتحانات.
القضية أكبر من تركها لوزارة التربية والتعليم فقط، وآن أوان تشكيل مجلس قومي - أو مفوضية - للتعليم ما قبل الجامعى، يضم فى تشكيله ممثلين لعدة جهات معنية، بما فيها وزارة التنمية المحلية، والأجهزة الأمنية، وممثلى أولياء الأمور.
وأتمنى أن يبادر أعضاء من البرلمان بتبنِّى هذا الاقتراح، والإصرار على التصدى للظاهرة الأخطر التى تهدد مستقبل مصر.