فى 18 ديسمبر 1973 أصدرت «الجمعية العامّة للأمم المتّحدة» قرارها باعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، فاللغة هى مصداق الهوية والانتماء الوطنى ووعاء الثقافة، وحاضنة التراث وذاكرة الأمة وتاريخها، ووجود الأمة مرتبط بوجود لغتها، خاصة إذا كانت اللغة لها ارتباط وثيق بالكتاب السماوى الذى تؤمن به الأمة، وهو القرآن الكريم عند أمة الإسلام، واللغة هى التى تضمن لفكر الأمة بقاءً وخلوداً، وتظل اللغة معبرة عن الوعى الجماعى للأمة بهوية أبنائها، ومعبرة عن وحدة صفوفهم، ووحدة أهدافهم.
حتى ورد فى تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2003م، أنه ما من حضارة إنسانية إلا وصاحَبَها نهضة لغوية، وما من صراع بشرى إلا ويُبطن فى جوفه صراعاً لغوياً، فاللغة هى المنظار الذى من خلاله يدرك الإنسان عالمه، ويعرف مكانته.
هذا الذى استحضره الحضور فى المؤتمر العلمى الدولى الرابع الذى أقامته كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، تحت عنوان: (اللغة الأم والانتماء الوطنى)، الذى أُقيم يوم الثلاثاء 14 مارس 2023م، وهو من المؤتمرات الجادة، الذى يعنى بقضية حيوية محورية، ترتبط بعلاقة اللغة العربية بالانتماء الوطنى، ويؤكد أن الأزهر هو المحضن الأكبر فى الحفاظ على اللغة العربية والتراث الإسلامى.
وتوزعت أبحاث المؤتمر على عدد من القضايا المهمة والمحورية؛ كعلاقة اللغة الأم بالانتماء الوطنى، وأثر الدلالات اللغوية فى الاجتهاد الفقهى، ودور التعليم فى تحقيق الانتماء الوطنى من خلال اللغة الأم، وتناول المؤتمرون خطورة الأسماء الأعجمية على الهوية الوطنية، ودور الإعلام فى الحفاظ على اللغة العربية وترسيخ الانتماء الوطنى.
كما تناول المؤتمر سبل حماية اللغة العربية الأم، وتعميق الانتماء الوطنى من خلال المدخل القانونى والفقهى، واستنباط الأحكام ودوره فى ترسيخ قيم المواطنة، ودور الفقيه فى الحفاظ على الوطن، ودور العقيدة فى تعزيز الانتماء الوطنى.. دراسة فى لغة القرآن ومنهجه، وأهمية اللغة فى ترسيخ قيم التآخى والمواطنة، وبيان القرآن لقيمة الوطن، ودور اللغة العربية فى تحقيق التميز الحضارى.
وأما علاقة القرآن باللغة العربية الأم فكانت محوراً رئيساً فى المؤتمر، فقد كان من أهم عوامل نجاح رسالة الإسلام هو الحفاظ على اللغة العربية وإتقانها، وكانت أخطر دعوة تعرضت لها أمة الإسلام فى العصر الحديث هى (الدعوة للعامية)، التى تصدت لها الدكتورة نفوسة زكريا، فى كتاب بنفس العنوان، قال عنه الأستاذ محمود شاكر: «فرض أن يدخل هذا الكتاب كل بيت مسلم»، وتناول المؤتمرون البلاغةَ النبوية فى حب الأنبياء لأوطانهم، وبلاغة القرآن فى تأصيل الانتماء الوطنى، وبلاغة النبى الكريم فى ترسيخ الانتماء الوطنى، وما إلى ذلك من موضوعات قيمة.
إنه مؤتمر موفق فى اختيار العنوان والموضوعات، واختيار العلماء والمتخصصين، ولكن بقيت الإشارة إلى أن بعض الأبحاث المقدمة للمؤتمر متشابهة جداً، ومكررة وبعناوين متقاربة، كما أن هذه المؤتمرات لا بد أن تتوافر ملخصاتها لتكون فى أيدى الطلاب لأنهم المستهدفون على وجه الحقيقة بقيمة الانتماء.
جاء المؤتمر تحت رعاية كريمة من الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا، وترأس المؤتمر الدكتور رمضان حسان، عميد الكلية، والدكتور أسامة العبد، أمين رابطة الجامعات الإسلامية، مع فريق كبير قام ببذل جهود كبيرة، شكراً لكلية الدراسات الإسلامية للبنين بالقاهرة ولعميدها الفاضل، ولكل القائمين على المؤتمر.